مخاطر الكلام المنمّق النووي

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

نشر منظر العلاقات الدولية كينيث ن والتز في صيف 2012، مقالاً بعنوان «لماذا يجب أن تحصل إيران على القنبلة» ذكر فيه أن إيران النووية سوف تعيد تأسيس توازن قوى مستحب في الشرق الأوسط، بحيث تصبح ثقلاً موازناً لإسرائيل، لقد جادل والتز في وقت لاحق من تلك السنة بأن استراتيجية العقوبات مع الدبلوماسية من غير المرجح أن تثني إيران عن تطوير قدراتها النووية.

حيث كتب في مجلة الشؤون الخارجية «فورين أفارز» في سبتمبر من سنة 2012 أنه «باستثناء الخيار العسكري فإن من الصعب منع إيران من اكتساب أسلحة نووية لو كانت مصممة على الحصول على تلك الأسلحة».

لقد كان والتز مخطئاً في أمرين، أولهما أنه بدفاعه عن الأسلحة النووية كمصدر للاستقرار الإقليمي أو الدولي فإنه يكون قد استخف كثيراً بالخطر لو وقعت تلك الأسلحة في أيدي الإرهابيين أو تم استخدامها نتيجة خطأ في التقدير.

ثانياً، لقد فشل والتز في توقع نجاح المفاوضات النووية مع إيران (أو فشلها من وجهة نظر أولئك الذين أرادوا وجود إيران نووية).

لقد توفي والتز سنة 2013 ولكن لو كان حياً اليوم فإن مما لا شك فيه أنه سيشير إلى الأمور التي لم يتم حسمها في خطة العمل المشتركة الشاملة التي تبنتها إيران والأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن، بالإضافة إلى ألمانيا والاتحاد الأوروبي سنة 2015، ولكنه كان سيقر كذلك بأن خطة العمل المشتركة الشاملة هي أفضل من ما كان يعتقد هو وغيره أنه ممكن مما يظهر قوة الدبلوماسية وخاصة لأولئك الذين أيدوا الوسائل العسكرية.

لقد كانت خطة العمل المشتركة الشاملة من معالم التعددية، وعلى الرغم من ذلك أو ربما بسبب امتعاضه من التعددية بجميع أشكالها قام الرئيس الأميركي دونالد ترامب بوصفها «بأغبى صفقة على مر التاريخ» وتوقع أن تؤدي إلى «محرقة نووية». لقد أثبت عدد لا حصر له من الخبراء مثل ستيفن م والت من جامعة هارفارد أن هذه المواقف غير صحيحة ومبالغ بها جداً، ولكن هذا لم يمنعه من أن يرفض في أكتوبر إعادة التصديق على خطة العمل المشتركة الشاملة.

إن تحرك الرئيس ترامب يترك الخيار للكونغرس الأميركي لأن يقرر إعادة فرض العقوبات المتعلقة بالبرنامج النووي على إيران مما يعتبر انتهاكاً للاتفاقية وحتى لو قرر الكونغرس ألا يفعل شيئاً في هذا الخصوص فإن طرحه المعادي لإيران والمبادرات الجمهورية الأخرى في الكونغرس قد أثرت سلباً على خطة العمل المشتركة الشاملة وجعلتها أكثر ضعفاً.

إن أميركا في مواجهة نووية بالفعل مع كوريا الشمالية وآخر شيء تحتاجه الآن هو رفع درجة خطر مماثل في الشرق الأوسط. لحسن الحظ التزمت ألمانيا والصين وفرنسا والمملكة المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي بالدفاع عن خطة العمل المشتركة الشاملة، حيث نأت تلك البلدان بأنفسها عن الموقف المتردد لإدارة ترامب.

إن السياسة الخارجية لترامب هي إضافة لقائمة طويلة من الحوافز في مجال الانتشار النووي، فلو نظرنا إلى الغزو الذي قادته أميركا للعراق سنة 2003 لوجدنا أنه جاء بحجة أن صدام حسين يخفي أسلحة الدمار الشامل، ولقد تبين أنه لم يفعل.

وعندما تمت الإطاحة به فإن البلدين الآخرين في محور الشر للرئيس الأميركي جورج بوش الابن إيران وكوريا الشمالية توصلتا لقناعة مفادها أن عدم الحصول على أسلحة نووية قد يعرضهما للمحاولات الأميركية لتغيير الأنظمة، ولقد تعزز هذا الاستنتاج سنة 2011 عندما ساعدت الولايات المتحدة الأميركية في الإطاحة بالرئيس الليبي معمر القذافي، والذي تخلى عن برنامجه النووي قبل ذلك التاريخ بثماني سنوات.

لقد تولى كيم يونغ أون مقاليد السلطة في كوريا الشمالية بعد الإعدام بدون محاكمة للقذافي ، ومن المؤكد أن هذا كان له تأثير على مقاربته للعلاقات الدولية، وعوضاً عن جعل كيم يتراجع فإن تهديدات ترامب «بالنار والغضب» قد زادت من قناعة الزعيم الكوري الشمالي بأن بقاءه وبقاء سلالة كيم يعتمد على الأسلحة النووية. إن العقوبات الصارمة لوحدها لن تغير رأيه، حيث يبدو سعيداً للغاية بتعريض الشعب الكوري الشمالي لكافة أشكال الحرمان من أجل البقاء في السلطة.

بالطبع هناك فروق كبيرة بين كوريا الشمالية وإيران، وأكثر تلك الفروق وضوحاً هو أن البرنامج النووي الإيراني لم يبدأ بعد، بينما كوريا الشمالية والتي بخلاف إيران انسحبت من معاهدة عدم الانتشار النووي لديها فعلياً ما يقدر بستين رأساً حربياً نووياً.

ويبدو أنها تحقق تقدماً من أجل تصنيع صاروخ باليستي عابر للقارات برأس نووي قادر على الوصول للبر الأميركي، وباختصار فإن أي صراع عسكري شامل مع كوريا الشمالية قد يؤدي لمخاطر عالمية فورية.

يبدو أن الرئيس الاميركي قد بدأ يدرك أن زيادة الضغط على كوريا الشمالية لا يمنع الجلوس للتفاوض مع كيم، وفي واقع الأمر فإن الجمع بين الطريقتين هو أفضل بديل منطقي، لكن إعطاء الدبلوماسية فرصة سيتطلب من ترامب التخلي عن خطابه التحريضي ومواقفه المتطرفة والعمل بشكل بناء مع الرئيس الصيني تشي جينبينغ.

وبعد أن تمكن تشي من تعزيز سلطته في المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني فإن من المحتمل أن يلعب دوراً مبادراً بشكل أكبر فيما يتعلق بحل الصراعات الدولية وخاصة في المجالات التي تؤثر على الصين بشكل مباشر.

إن إيجاد استراتيجية تعمل بشكل فعال على احتواء التهديد الكوري الشمالي هي الطريقة الوحيدة للتحقق من أن كوريا الجنوبية واليابان لن تلجآ للخيار المؤسف المتمثل في الانضمام للنادي النووي.

وكما لاحظ والتز فإن الأسلحة النووية عادة ما تنتشر ولكن هذا لا يعني أن نستسلم للانتشار، ناهيك عن التقليل من إمكانياته المدمرة، فالأمن العالمي يعتمد على المحافظة على قصص النجاح الدبلوماسي مثل خطة العمل المشتركة الشاملة مع إيران، والتي تعتبر حيوية لتجنب الانتشار، وتنهي إلى الأبد دورة العداوة والاستقطاب الخطيرة.

* كان الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية وأمين عام حلف الناتو ووزير خارجية إسبانيا

وهو حالياً رئيس مركز ايساد للاقتصاد العالمي والشؤون الجيوسياسية وهو زميل متميز في معهد بروكنغز وعضو في مجلس الأجندة العالمية لأوروبا في المنتدى الاقتصادي العالمي.

Email