مأزق سياسي وأممية تقدمية

ت + ت - الحجم الطبيعي

أصبحت أقسام كبيرة من البشر في أميركا وأوروبا مثقلة بالديون وأعظم تكلفة من أن يجري التعامل معها بغير التخلص منها، فأصبحت جاهزة للاستسلام للمخاوف التي يؤججها ترامب، أو كراهية الأجانب في معسكر مارين لوبان زعيمة الجبهة الوطنية في فرنسا، أو رؤية أنصار الخروج البريطاني البراقة لبريطانيا التي تحكم البحار مرة أخرى. ومع تزايد أعدادهم، تنزوي الأحزاب السياسية التقليدية وتفقد صلتها بالواقع، فتحل محلها كتلتان سياسيتان جديدتان ناشئتان.

تمثل إحدى الكتلتين الترويكا القديمة المتمثلة في التحرير والعولمة والتحول إلى الاعتماد على التمويل. وربما لا تزال محتفظة بسلطانها، ولكن مخزونها يتراجع بسرعة، كما قد يشهد ديفيد كاميرون، والديمقراطيون الاجتماعيون في أوروبا، وهيلاري كلينتون، والمفوضية الأوروبية، بل وحتى حكومة حزب سيريزا بعد الاستسلام.

ويشكل ترامب، ولوبان، وأنصار خروج بريطانيا من اليمينيين، والحكومتان الرجعيتان في بولندا والمجر، والرئيس الروسي فلاديمير بوتن الكتلة الثانية. يروج هؤلاء حالة دولية قومية ــ المخلوق الكلاسيكي لفترة الانكماش ــ ويوحدهم احتقارهم للديمقراطية الليبرالية والقدرة على حشد أولئك الراغبين في سحقها.

الواقع أن الصِدام بين هاتين الكتلتين حقيقي ومضلل في آن. إذ تمثل كلينتون في مواجهة ترامب معركة حقيقية، على سبيل المثال، وهي أيضا حال الاتحاد الأوروبي في مواجهة أنصار الخروج البريطاني؛ ولكن المتحاربين شريكان وليسا خصمين في إدامة حلقة لا نهاية لها.

السبيل الوحيد للخروج من هذا المأزق السياسي هو الأممية التقدمية، التي تقوم على التضامن بين أغلبيات ضخمة في مختلف أنحاء العالم على استعداد لإحياء السياسة الديمقراطية على نطاق كوكبي. وإذا كان هذا التصور يبدو أقرب إلى يوتوبيا مثالية خيالية، فإن الأمر يستحق التأكيد على أن المواد الخام اللازمة لبلورة هذا التصور متوفرة بالفعل.

* وزير مالية اليونان سابقاً وأستاذ الاقتصاد في جامعة أثينا

Email