«فيفا» تنتخب والعرب «تنتحب»

ت + ت - الحجم الطبيعي

في يوم الجمعة يجتمع الجميع، الآباء والأبناء والجيران والأصدقاء في المجالس وفي المساجد وفي المراكز، وكذلك في الملاعب وفي كل مكان، مع نهاية الأسبوع، الجميع يجدد النشاط ويعزز العلاقات، وربما يستعد لأسبوع جديد مشحون بالمهمات، ولكن في هذه الجمعة الأخيرة، كانت الجمعة غير.

وكان الاجتماع استثنائياً، ليس على المستوى العائلي فقط، ولا على المستوى المحلي، بل على المستوى العالمي، كانت هذه الجمعة جمعة استثنائية، تفرغت للاجتماعات الدولية في زيوريخ لانتخابات منصب كرسي الرئاسة في فيفا، وهي منظمة كرة القدم العالمية.

وكانت أحاديث الجميع في يوم الجمعة مخصصة حول المرشحين، وتكهنات الفوز والخسارة وتوزيع الأصوات، ومدى قوة التربيطات، ومعظم المرشحين كانوا في رحلات واتصالات لتعزيز علاقاتهم، والتي انتهت بكلماتهم الختامية أمام الناخبين، والكلمات تشابهت كثيراً، وكانت تخلو من أي جديد، والتي تم بناؤها على تداعيات السقوط الأخير لرموز الفيفا.

وبالنسبة لي، لم تكن مقنعة، والسبب أنها ليست مبنية على إنجازات ملموسة، ومعظم المرشحين دون الطموح، وأعتقد أن السبب هو نظام الانتخابات، والذي بحد ذاته يحتاج إلى تغييرات أساسية وهيكلية، فلا يعقل أن يكون لدول أوقيانوسيا أحد عشر صوتاً، وأميركا الجنوبية لها عشرة أصوات، وقبل بداية الانتخابات، تم تسجيل أول انسحاب، وذلك في الوقت الضائع، ولا شك أنه انسحاب ناجح بكل معنى الكلمة.

وبدأت الجولة الأولى، وكان المرشح الفرنسي بدون حظوظ، لأنه غير مدعوم، بينما كانت الحظوظ عامرة للمثل الرسمي للكتلة الأوروبية، وهو المرشح الإيطالي السويسري، والذي وجد نفسه مرشحاً رسمياً بالقوة الكروية والسياسية الأوروبية، وأما المرشح البحريني، فهو يقف على قاعدة عريضة من الدويلات الكروية الصغيرة والفقيرة.

وكثيراً من الأحيان نجد أن الكثرة تغلب الشجاعة، ولكن تظل هذه الدول في مكانك سر، ولا يمكن لها أن تكسب الأصدقاء أو تؤثر في الأقوياء، وأما المرشح الأردني، فقد كان يراهن على ظروف دورة الانتخابات السابقة، مع أننا نعلم أنها كانت ظروفاً استثنائية، ولهذا، كانت نتيجة الجولة الأولى حاسمة وغير حاسمة، المنافسة بين اثنين والفارق شاسع مع اثنين.

وفي الجولة الثانية، اكتساح واضح للمرشح السويسري الأوروبي العالمي، وهو متنوع الخبرات، ومتعدد اللغات، وذلك على حساب المرشح البحريني الآسيوي العربي، وفي النهاية، منصب الرئيس ذهب لمن هو الأفضل بين المرشحين، ليس فقط الأفضل في سيرته الشخصية، بل أيضاً في شخصيته الاحترافية.

كما أن الدول المتقدمة كروياً، والتي هي أيضاً متقدمة من ناحية الحوكمة والإدارة، هي التي استطاعت أن تضع مرشحها على قمة جمعيتها، الفيفا مؤسسة بالدرجة الأولى لتطوير كرة القدم، وكرة القدم الحقيقية هي في دول أوروبا وأميركا الجنوبية.

ولا يمكن ولا يقبل وغير مقنع أن تتطور الكرة العالمية برئاسة آسيوية أو أفريقية ولا عربية طبعاً، وكيف يمكن انتخاب رئيس عربي، والعرب لم يتفقوا، كعادتهم، ولديهم أكثر من مرشح.. «فيفا» انتخبت، بينما نحن العرب انتحبنا!

Email