من بعيد

التوطين

ت + ت - الحجم الطبيعي

اثبتت بطولة العالم لناشئي كرة القدم والتي لم يتبق على ختامها سوى الجولة النهائية الفاصلة انها ميدان لاكتشاف المواهب في المقام الاول قبل ان تكون ساحة للتنافس على الالقاب والجوائز، انه المفهوم الصحيح للمعنى من المشاركة في مثل هذه البطولات لفئات صغيرة السن وهو مفهوم يختلف عما يراه البعض باصدار احكام التطهير والاقصاء للمدربين ويصل الانفعال والغضب الى حد تسريح فريق بأكمله.

فوجئت بحضور سكولاري المدير الفني لمنتخب البرازيل الاول جانبا من البطولة وحرصه على مشاهدة عدة مباريات من بينها مباراتا فريق البرازيل الصغير مع سلوفاكيا ثم مع الامارات، حدث ذلك سرا دون اعلان خاصة انه طلب من المنظمين عدم الاعلان عن وجوده حتى لا يؤثر ذلك على المهمة الخاصة التي دفعته للحضور من جهة وحتى لا يشكل تواجده اي نوع من الضغط على لاعبيه، وبالفعل عقب مغادرته اعلن مدرب البرازيل ان خمسة من افراد الفريق تم اختيارهم لمنتخب 21 سنة الاوليمبي تمهيدا لدفعهم الى المنتخب الاول، وما يثير الاعجاب ان الخروج البرازيلي من البطولة كان مفاجأة للجميع، لم يكن بهذه الصدمة على المدرب والذي اعتبر ان حضور سكولاري ومن قبله كارلوس البرتو بيريرا مستشار المنتخب علامة على الاهتمام بمنتخب الناشئين وان اختيار عدد من اللاعبين يعتبر نجاحا له كمدرب يوازي بالضبط حصوله على احد المراكز الثلاثة الاولى.

نحن نفهم بطولات الناشئين خطأ ونتعامل معها كونها منافسة حامية الوطيس بما يشكل ضغوطا على لاعبين صغار يصعب عليهم تحملها، وندفع بهم في معسكرات طويلة خارج البيئة التي عاشوا فيها وبعيدا عن عائلاتهم مما يحقق في الغالب نتائج عكسية، وما نعرفه ان في كثير من الدول الاوروبية يختلف التعامل مع هذه السن الصغيرة، فلا توجد دوريات طويلة الزمن ولا تدريبات يومية مرهقة ولا استنزاف لهؤلاء الصغار ويغرسون في اذهانهم ان كرة القدم متعة يجب ممارستها باستمتاع شديد حتى يحبونها.

ولا اظن ان جروندونا مدرب الارجنتين كان قاسيا في سيطرته على لاعبيه الى حد كبير ومساعدته لهم في استيعاب واجباتهم المدرسية جنبا الى جنب مع التدريبات اثناء البطولة بل واستجابتهم له في طاعة عمياء بعدم ذكر اسم النجم دييجو مارادونا في اي تصريحات اعلامية على الاطلاق حتى في جلساتهم الخاصة بعد الموقف الاخير لمارادونا العدائي لمنتخب بلاده، واظن ان العلاقة بين مدرب الناشئين ولاعبيه يجب ان تقوم على التقارب النفسي والتوجية والارشاد المحسوب بدقة.

المعايير في بطولة الناشئين لا تقوم على ذبح الفريق الخاسر بل الاهتمام به والبناء عليه واتذكر المبادرة التي اقدم عليها الاتحاد التونسي عندما جدد التعاقد مع المدرب قبل مباراته الاخيرة مع الارجنتين والتي اسفرت عن خروج الفريق من المنافسة، المعنى واضح ان المشاركة لم تكن بهدف تحقيق نتيجة فحسب بل اختيار عناصر واعدة لدعم المنتخبات التونسية الاكبر وحرص الاتحاد على اعلان قرار التمديد قبل المباراة وهو سلوك له دلالة لا تخفى على احد.

Email