من بعيد

هزيمة سياسية

ت + ت - الحجم الطبيعي

في تاريخه الطويل ومنذ قرن من الزمان، لم يتلق المنتخب المصري مثل تلك الخسارة القاسية التي حدثت له مساء أول أيام عيد الأضحى من منتخب غانا بنصف دستة أهداف كاملة، لتعود الرياضة المصرية إلى المربع صفر بعد أن كانت قريبة من حقيقة التأهل إلى مونديال البرازيل، وما ترافق معه من أحلام عودة النشاط الرياضي دون عوائق سياسية، وهى العقبة الأصعب والقائمة منذ موسمين متتاليين وتهدد الموسم الرياضي الثالث بالتوقف القاتل.

ورغم فداحة الخسارة وانكشاف الفراعنة في كوماسي وسقوط اللاعبين الذين أوصلهم البريق الإعلامي إلى مصاف النجوم، إلا أن الموضوعية تقتضي التعامل مع هذه النتيجة الاستثنائية بكثير من التوازن، باعتبارها ليست مجرد مباراة لكرة القدم بل منازلة بين دولة تمارس أنشطتها الرياضية بشكل طبيعي..

وتصدر لاعبيها إلى ميادين الاحتراف في أوروبا وهي غانا، وبين دولة توقفت فيها الحياة الرياضية كاملة منذ عامين، باستثناء مشاركات محدودة للأهلي والزمالك في بطولة القارة للأندية، والفارق هائل ويعكس الواقع المؤلم الذي تعيشه الرياضة المصرية، ويأخذها إلى المستويات الدنيا، ونتذكر أن المنتخب المصري احتل المرتبة التاسعة في التصنيف الدولي عام 2009 ومع زلزال 25 يناير 2011 بدأ التراجع حتى اصبح دون السبعين عالميا والتاسع على مستوى قارة أفريقيا .

صالونات التحليل أمطرت الجهاز الفني انتقادات لاذعة، حول اختياراته للاعبين وسوء التشكيل وغياب التوظيف المناسب لهم، وفشل الإدارة الفنية للمباراة وكالعادة طالبت بإقالة المدرب برادلي بل ومجلس إدارة الاتحاد، وكلها عوامل كان يمكن تناولها لو كانت الأوضاع الرياضية في مصر طبيعية، وفى ظني أن الجميع كانوا ضحية لتوقف المسابقات المحلية لموسمين..

وعانوا بمرارة في سبيل استئناف الدوري دون جدوى مصطدمين بجدار القلق الأمني، ولا يجوز من وجهة نظرنا أن نتجاهل هذا الأمر في سياق تحليل هزيمة كوماسي، فالمنتخب لم يعد أمامه سوى بعض المحترفين بالخارج وهم قلة، ولاعبو الأهلي باعتبارهم ما زالوا في المنافسة ويلعبون مباراة كل خمسة عشر يوما .

دائرة الاختيار تقلصت أمام المدرب لتوقف جميع الفرق المحلية عن اللعب، وباستثناء لاعب من الزمالك أو الاسماعيلي فلم يعد أمامه سوى اختيار اللاعبين الذين سقطوا في كوماسي، ونحن نلتمس لهم الأعذار، فقد كانوا ضحايا واقع رياضي مؤلم وصل إلى درجة إقامة مباريات ودية سرا.

ومزاولة التدريبات اليومية في ملاعب بعيدة عن سطوة طائفة الالتراس التي تنامت ومارست البلطجة خلال أيام الفوضى، وامتلكوا مفاتيح السيطرة على اقتحام الملاعب وتهديد المؤسسات الرياضية والاعتداء على وزير الرياضة السابق خلال مؤتمر صحافي ومطاردته في الشارع، ومحاصرة ناديي الأهلي والزمالك وتدخلاتهم الوقحة في شؤونهما، ولعلنا نتذكر فعلتهم النكراء عندما اشعلوا النيران في مقر اتحاد كرة القدم..

واحرقوا وخربوا ودمروا جانبا من ذاكرة الكرة المصرية بتعمد لافت وإصرار على تحدي الدولة ثم تبين بعد ثورة 30 يونيو أن الالتراس تحولوا إلى أداء أدوار سياسية لتدمير الوجه الرياضي، وقطع الملاعب والطرق والجسور ولا ننسى إصرارهم على عدم إقامة المباريات ودخول الملاعب عنوة وتعمدهم إفساد المباريات بإطلاق الألعاب النارية الممنوعة لإجبار الأندية واللاعبين على عدم الاستمرار في المنافسات الرياضية.

ما حدث في كوماسي للفريق المصري امتداد للواقع المؤلم الذي يبدو مستمرا، فلا يوجد في الأفق مؤشرات على إمكانية استئناف المسابقات المحلية، وتقف الأجهزة المعنية في حالة استنفار لمواجهة البؤر الإرهابية لبقايا الإخوان المسلمين والذين يتحكمون في الالتراس دون مواربة، حتى اطلقوهم لتحطيم واجهات مطار القاهرة قبل أيام وممارسة الإرهاب في الطريق العام .

 lkوفى ظني أن كرة القدم بل الحركة الرياضية بوجه عام، ضحية ما شهدته مصر من انفلات وإصرار على تخريب الشباب ودفعه إلى ممارسة أدوار سياسية قذرة لصالح فصيل فشل ويتمسك بالفشل، ويبقى الأمل في استعادة الزمام وعودة المسابقات المحلية وبدون ذلك لن يقوم لمنتخب الفراعنة قائمة.

Email