من بعيد

حسابات الانسحاب

ت + ت - الحجم الطبيعي

التوقف أمام قرار بالغ الخطورة أصدره وزير الرياضة المصري طاهر أبو زيد بالانسحاب أو الاعتذار عن عدم المشاركة في دورة ألعاب الدول الفرانكفونية (أي الناطقة باللغة الفرنسية) قبل موعد انطلاقها بساعات، ليضرب اللجنة الأولمبية في مقتل خاصة أنه وبحركة لولبية بارعة، وجه بتقديم الموازنة المقررة لهذه المشاركة، وقدرها ثلاثة ملايين و800 ألف جنيه الى صندوق دعم الاقتصاد المصري حتى لا يتعرض للنقد أو التأويل في مغزى القرار والهدف منه.

البعثة المشاركة في تلك الدورة لم تكن محدودة بل ضخمة، وتجاوزت 130 فردا، وبلغت تكلفة الملابس الرياضية مليون و100 ألف الى جانب 90 ألف دولار قيمة استئجار طائرة خاصة لنقل البعثة ذهابا وإيابا وأيضا مصروف الجيب للجميع، وغير ذلك من البنود المالية التي استهلكتها اللجنة الأولمبية بسخاء وبذخ شديدين.

وفي ظني أن الوزير اعتمد قبل الإقدام على هذا القرار الجريء على عدة محاور، أولها وعلى رأسها: الرد على الأسلوب الغريب الذي يتبعه خالد زين رئيس اللجنة الاولمبية في إدارتها، واتباعه الفردية المطلقة، وتجاهل فريق العمل الذي يضم نخبة من رؤساء الاتحادات أصحاب الخبرات، وثانيها: سياسة التحدي الصارخ للدولة والاستقواء باللجنة الأولمبية الدولية وتقديم شكاوى صريحة قد تؤدي الى عقوبات تهدد مسيرة الرياضة المصرية. وفي الطريق لإصدار قرار الانسحاب اعتمد الوزير على شكاوى من أعضاء اللجنة الأولمبية ضد سياسة الانفراد بالقيادة واكدوا عدم موافقتهم على المشاركة وأنهم تعرضوا لضغوط عنيفة.

وفي تصوري أن الوزير لم يصدر قرار الانسحاب إلا بعد الحصول على ضوء أخضر من مجلس الوزراء خاصة انه قدم الموازنة هدية الى صندوق دعم اقتصاد الدولة ووضع خالد زين في موقف حرج للغاية محليا ودوليا، وتبدو حسابات الوزير تتجاوز مجرد المشاركة في دورة رياضية غير رسمية، لتكون "تصويبة متقنة" إلى رئيس اللجنة الأولمبية الذي تصور أن سياسة الصوت العالي والتخويف هي التي تكسب في المواجهات وارتكب عدة أخطاء جسيمة ومنها رحلاته الخارجية الطويلة وإدارته لكيان اللجنة بواسطة أهل الثقة وانقلابه على مؤيديه الذين منحوه أصواتهم في الانتخابات.

وأخطأ في تلويحه بتقديم شكوى دولية ردا على الانسحاب من دورة الألعاب الفرانكفونية متناسيا أن الدورة غير رسمية وتعتبر دورة عرقية إقليمية لناطقي اللغة الفرنسية فقط، وتجاهل الجوانب السياسية وتتمثل في عدم تجاوب مصر الدولة مع قرار فرنسا بالمشاركة في الضربة الاميركية المتوقعة ضد سوريا.

حسابات قرار الوزير تختلف عن مصالح رئيس اللجنة الأولمبية بشكل قاطع لكن الانسحاب قبل بداية الدورة كان ضربة موجعة لجميع المؤسسات الرياضية التي تصورت أن زمن التغيير معناه الخروج من عباءة الدولة.. وفعلاً هو قرار يستحق التوقف أمامه طويلا.

Email