من بعيد

الاعتزال السياسي لأبوتريكه

ت + ت - الحجم الطبيعي

الرياضيون تسلط عليهم الأضواء والأنظار في كل أفعالهم وأقوالهم بل وحتى نواياهم، ولم تكن الواقعة التي نسبت للنجم محمد أبوتريكة الأولى لكنها الأكثر خطورة، وكادت أن تؤثر على مسيرته كرياضي موهوب يملك شعبية جارفة وتقضي عليه، ولم يكن أمامه من خيار أفضل من الإعلان عن الاعتزال السياسي وليس الرياضي والابتعاد تماماً عن أي سلوك يمكن تأويله من المنظور السياسي.

الواقعة التي تناقلتها المواقع الإخبارية الإلكترونية حول السجال المشين من جانب النجم مع أحد العسكريين المكلف بحمايته وزملائه أعضاء فريق الأهلي، تم تضخيمها وتصويرها بشكل عدائي متعمد على خلفية انتماء أبوتريكه المعلن لجماعة الإخوان المسلمين، بل وموافقته على استغلال اسمه وصورته كلاعب رياضي مؤثر شعبياً في الدعاية للرئيس المعزول محمد مرسي خلال الانتخابات الرئاسية عام 2012، وكان واضحا المغالاة من جانب بعض تلك المواقع بعيداً عن القواعد المهنية في كتابة الخبر ومدى مصداقيته واستناده إلى مصدر موثوق، وسألت زميلاً من الصحافيين المحترمين رافق الأهلي في رحلة الكونغو وشاهد الواقعة، فلم يؤكدها وكشف لي عن التزام أبوتريكه وحده الصمت التام من دون باقي اللاعبين لدى سماعهم أنباء فض الاعتصام في ميداني رابعة العدوية والنهضة، ولم يعلق أو يدخل في جدال مع احد مدركاً أن كل ما يبوح به سيتم تداوله وتسريبه ثم تضخيمه، كما حدث في واقعة المطار.

وفي المقابل تناولت بعض وسائل الإعلام روايات شهود عيان لم تفصح عنهم تؤيد الخطأ المنسوب للاعب وهجومه على الجيش المصري وتحامله الشديد على ما يقوم به رجال الأمن للقضاء على الإرهاب المستشري في بعض المدن.

 وفي ظني أن إدارة الأهلي حاولت بسرعة إطفاء النيران وإنقاذ أبوتريكه من حريق الفتنة التي أوقع نفسه فيها منذ وافق على الإعلان عن انتمائه إلى الجماعة المعزولة، وتم نشر نفي للواقعة في مجلة النادي، ولكن مع تصاعد الخطر وتدخل جهات حكومية صدر تصريح منسوب له، يؤكد احترامه لمؤسسات الدولة، وكان تصريحاً ضعيفاً لم ينف الحادثة، وأخيراً اعلن ابوتريكه قراره باعتزال السياسة وعدم التعامل مع اللعبة السياسية بعد أن اكتوى بنيرانها، وكلنا يذكر موقفه من مباراة افتتاح الموسم المحلي عندما امتنع عن المشاركة تلبية لطلب الأخوان المسلمين الذين كانوا يعملون على تأجيج مشاعر الالتراس ضد الشرطة والجيش، وتم توظيف أبوتريكه ربما دون أن يدرك خطورة ذلك الامتناع عن اللعب وتزايد الهجوم عليه، ما أدى لقبوله الاحتراف فى نادي بني ياس الإماراتي للهروب من الحصار الأخواني وتأثير تلك الجماعة عليه وبعضهم من قيادات الأهلي نفسه حتى اليوم.

الآن يعيش محمد أبوتريكه أياماً صعبة خاصة، ومن تعامل معه يعلم انه رجل شديد الاحترام ودمث الخلق دون افتعال ومتدين بصدق وإيمان ويقدم الخير لمن حوله دون تقتير، ومواقفه من مشجعي الأهلي الذين ماتوا ضحية حادث ستاد بورسعيد لا تحتاج إلى دليل إثبات وهو يمارس ذلك في الخفاء دون مباهاة للتقرب من وجه ربه العليم بما في الصدور، وفي تقديري أن الاعتزال السياسي درس لكل الرياضيين بعدم الزج بأنفسهم في دهاليز السياسة وخفاياها فهي محرقة لمن لا يدرك عواقب هذه اللعبة.

Email