المصطلح المتداول بشأن حكام مباريات كرة القدم أنهم قضاة الملاعب، في إشارة واضحة إلى علو مكانتهم وسمو رسالتهم، فهل هم فعلاً قضاة؟ في العادة لا يظهر القاضي إلا عند رفع قضية إليه للحُكم فيها، وهذا يحدث كثيراً في الملعب، والأسباب والحوادث التي تستدعي ذلك لا تتوقف، فالاعتداءات متعددة، وكثير منها متعمدة ومؤذية، ومخالفات أخرى تبدو غير مقصودة، لكنها مؤثرة، وسرقات باليد واختلاسات في المسافات وتسللات خلف الحدود، تجاوزات لفظية وإيحاءات وتعبيرات غير أخلاقية، وتقمص حالات وتمثيل حركات، وإجمالاً، كلها ممارسات خارج القانون، قصداً أو إهمالاً، تؤدي إلى تحقيق مكاسب غير مستحقة وتسلب حقوق الأبرياء، ولو تركنا الملعب دون قاضٍ لغابت العدالة وانتشر الظلم.
القاضي لا يحكم إلا وفقاً لقانون، ورغم وضوح قانون اللعبة، إلا أنه لا يخلو من مساحات رمادية وتقديرات، ويتشابه نسبياً مع قانون المرور الذي لا يخلو أيضاً من احتكاكات أو اعتقادات، لهذا، أعتقد أن حكم كرة القدم هو أيضاً رجل مرور قبل أن يكون قاضياً، وإذا التزم الجميع داخل وخارج الملعب، سيراقب ويتابع ولا يتدخل، والحركة تكون انسيابية جميلة وممتعة، خالية من الخلافات والمخالفات والمخلفات، وخاصة الأخلاقية، ويكون الملعب فعلاً للعب النظيف.
لكن، هل مسؤولية الحكم محصورة في الملعب فقط؟ لا، فالمسؤولية حول الملعب كله، وهل نحن نساعده لأداء مهمته؟ لا أعتقد، فالجميع تقريباً متجمعون حوله، وتصرفهم دائماً ضده، إشارات وكلمات وهمزات ولمزات، وبدلاً من أن يكون المرمى هدفهم، يكون الحكم هو الهدف، ليس خلال المباراة فحسب، ولكن حتى بعدها، وأحياناً قبلها، ومع النهاية، هناك إما مصافحة ومصالحة ودية، أو محاضرة ومرافعة قانونية، وفي الموجز، تحكيم وتقييم وترجيح وتقرير أحداث وأهداف وبطاقات، وكلها أمانات.
وهناك نتائج وتوزيع نقاط وتحديد مراتب، وبالتالي، خسائر أو مكاسب، الخلاصة، لا بد من هيئة قضائية وقوة شرطية ولجنة إحصائية، وكلها متمثلة في طاقم تحكيم لإدارة المباراة، والإبحار بها إلى بر الأمان، في وقت كل الركاب تقريباً ضد الربان.
مطلوب من الحكام العدالة، وهم أول المظلومين، وربما لا يوجد مظلومون غيرهم في عالم اللعبة، الضغط شديد ومتنوع ومتزايد ومصطنع في أحيان كثيرة، ومن كل الاتجاهات على طاقم الحكام، الساحة ومساعديه للخطوط، وهو لا شك ضغط غير متوازن وغير طبيعي، وله تأثيرات سلبية فيهم، ذهنياً ونفسياً، وقد يكون بدنياً، وبالتالي، له نتائج عكسية على القرارات وعلى سير المباريات.
مطلوب من الحكام القرار الصحيح في أقل من ثانية، مع مواصلة حركة اللعب، وتجاهل الضغوط داخل الملعب وخارجه، مطلوب قرارات صحيحة من الدقيقة الأولى للأخيرة، بغض النظر عن نوع المباراة، رسمية أو ودية، محلية أو دولية، تمهيدية أو نهائية، مفصلية أو تحصيلية.
وأيضاً بغض النظر عن اسم النادي أو مركزه، واسم اللاعب وجنسيته، وغير ذلك من الظروف والمدخلات والضغوط التي تؤثر في الحجر، وليس فقط البشر، وبالتالي، لن يوجد حكم بدون أخطاء، أحياناً مؤثرة وأحياناً مدمرة، والحكم المساعد لا يقل أهمية، بل ربما أكثر وأصعب.
لا شك أن الحكم مظلوم، بل المؤكد مظلوم، مطلوب منه أن يكون أعلى لياقة، وأعلى سرعة، ولكن ليس بالضرورة أقوى بدنياً، وإنما بلا شك، يجب أن يكون قوي الشخصية، وأكثر حكمة، لا يوجد أدنى شك أن مهمة الحكم ليست سهلة، فهي الأهم في المباراة، بل والأهم في عالم كرة القدم، وللأسف، يبدو أنها المهنة الوحيدة التطوعية والمبخوسة الثمن في عالم الاحتراف.
والفارق شاسع بين الجانب المادي والمعنوي، والدافع الحقيقي لدى معظم الحكام هو الرضا النفسي. لماذا نتعامل مع الحكم بعنف، وهو يستحق العطف؟ لماذا هو الحلقة الأضعف في الاحتراف؟ لا شك أنه مظلوم، ولا بد أن يكون على رأس هرم كرة القدم.فهل نبادر إلى تأسيس هيئة حكام على أعلى القمة، ذات سلطة إدارية وقانونية مستقلة، وموازنة مالية مستمرة وقوية، وعقلية قيادية فنية واحترافية؟ الكرة في ملعب الحكام، وأتوقع أن يشمر الشمري عن ساعديه، ليتحقق ما هو مفترض، وما هو يهدف إليه.