من بعيد

الرياضة الضائعة

ت + ت - الحجم الطبيعي

بات مستحيلا الفصل بين الانهيار الرياضي والمشهد السياسي في مصر بكل مافيه من ارتباك وتناقض وتباين في المواقف والثوابت وبعد اختلال المبادئ واهتزاز تيار التغيير بمحاولات انتهازية من معظم الاطراف الفاعلة. ولسنا نبالغ في وصف ما يحدث للحركة الرياضية المصرية بالانهيار، فقد توقف النشاط الرئيسي لكرة القدم باستثناء المشاركات الخارجية الملزمة.

واضطرت الاتحادات الى تسيير بعض مسابقاتها في سرية وبدون جمهور، ويبدو ان الأمن يدرك عواقب العودة الى الأوضاع الطبيعية وصعوبة السيطرة على الجموح والأنفلات الذي يسود الشارع المصري ، حتى ان مباراة لكرة السلة فئة تحت 16 سنة بين الزمالك والاهلي تم الغائها قبل ايام بعد اقتحام المشجعين للملعب وترديد هتافات لها صلة بنتائج الانتخابات الرئاسية والاحكام القضائية بقضية الرئيس السابق.

والأزمة الرياضية لا تنفصل عن المطبات الاقتصادية والسياسية والإعلامية الجارفة حاليا، وفي ظني ان القطاع الرياضي يخسر يوميا ما لا يقل عن 40 مليون جنيه قيمة تعاقدات مع لاعبين ومدربين في مختلف الأندية والاتحادات تلتزم بسدادها بصعوبة وبجدولة مالية تثير الخلاف بين الجميع، كما ان الخسائر تتضمن قيمة العوائد من الرعاية التجارية وحقوق البث الفضائي للمباريات.

والتي توقفت بالكامل، واصابت المؤسسات الرياضية بشلل واضح باستثناء ناديي الاهلي والزمالك اللذين يقاتلان من اجل الاستمرار في بطولة اندية افريقيا لتكون بصيصاً من الامل في موارد محدودة تعينهما على تسيير انشطتهما ودفع ما عليهما من استحقاقات مالية، هي في الاصل وليدة فترة الرخاء الرياضي التي جلبت كثيرا من الموارد ومكاسب الرعاية وترويج الملاعب والمباريات وقمصان اللاعبين وكل ما يتعلق بالنشاط الرياضي.

التوقعات بعودة النشاط الرياضي الى سابق عهده، يبدو اقرب الى التفاؤل بسبب تعقيد الوضع السياسي، وفي تقديرالبعض ونحن نتفهم هذا الرأي، ان السماح بحضور المشجعين الى الملاعب هو الاساس الذي يمكن بناء عليه صدور قرار بعودة الحياة الى الملاعب، وهناك صعوبة تتعلق بالالتزام الذي تعهد به المجلس العسكري بتسليم السلطة في نهاية الشهر الحالي وانسحابه الى ثكناته العسكرية، تاركا مسؤولية الامن لأصحابه قوات الشرطة، والتي بدورها لم تسترد هيبتها الكاملة وعليها سد فجوة الثقة بينها وبين قطاعات عريضة من الشباب، الامر الذي ينعكس في رأينا على امكانية السيطرة على الملاعب الرياضية.

اذن استئناف دوران العجلة الرياضية يرتبط بتفاعل المشجعين والتزام السلوك الحضاري والابتعاد عن الزج بالرياضة في محرقة السياسة، فقد أثبتت المدرجات الخالية سخافة الفكرة وتقليص قوة الفرق المصرية عندما تلعب بأرضها دون مساندة، ولن نتعرض للمباريات الدولية التي سيخوضها المنتخب المصري في الشهر الحالي.

لكن المخاوف كلها ترتبط بالشهر الذي يليه عندما تضطر السلطات الحكومية الى استقبال مباراة كبرى بحجم الزمالك والاهلي ضمن بطولة افريقيا يوم 22 يوليو، والسؤال: هل يقدر لهذه المباراة بقيمتها لدى الجماهير المصرية ان تكون سبباً في عودة صحيحة للنشاط الرياضي، أم تتسبب في ايقاف آخر طويل ربما يدمر قطاعاً اقتصادياً مثمراً يتيح أبواب الرزق لما يفوق 45 ألف عائلة كادحة؟

Email