عندما تكون القراءة حاجة

ت + ت - الحجم الطبيعي

عودنا سيّدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، على التميّز في كل شيء، فهو لا يرضى إلا بالمركز الأول على جميع الصعد، وجعله نُصب عينيه حتى جعله عادةً لشعبه المخلص الوفي شعب دولة الإمارات العربية المتحدة، فهو، حفظه الله، لا يرضى لهم إلا ما يرضى لنفسه، ولهذا مدحهم في قصيدته المشهورة التي أصبحت شعاراً لكل إماراتي:

بيني وبين الليالي عهد ما ارده

أني وشعبي نحب المركز الأولْ

وشعبي إذا حب ضحّى ودافع بجنده

ولو طوّل الجد فيهم جهدهم طوّلْ

وكم سمعت هذا البيت من أهالي دولة الإمارات شرقاً وغرباً اعتزازاً وافتخاراً بهذا المدح، وطلباً منهم لتحقيقه، وقد تم ما أراد فارس العرب وما رجاه شعبه، ولكنّ البقاء في القمّة يحتاج إلى جهدٍ جهيدٍ، واستمرار في البذل والعطاء وصبر على المشقات حتى تستمر حضارتنا وتقوى وتتقدم في شتّى المجالات العلمية والعملية التي ننافس بها العالم.

لا شك أن البقاء في القمة يتطلب من شعب دولة الإمارات أموراً كثيرة ومن أهمها صناعة المعرفة وإنتاجها وتصديرها، وهذا لا يتأتى مع شعوب لا تهتم بروافد المعرفة التي من أقوى روافدها القراءة، فهي ليست ترفاً ولا تسليةً ولا مساعدةً على قتل الأوقات، ولا معينةً على النوم الهانئ كما يظن بعضهم، بل هي حاجة ماسة لنا، مثلها كمثل حاجتنا للماء والطعام والدواء والمال، لأنّها هي التي تغذي العقول وهي التي ترفع الأمم وتزيدها قوةً ورفعةً وتضمن لها البقاء في خضم التحديات الكبرى والمعارك العظيمة، من أجل السيطرة على موارد الأرض، ومن يظن خلاف ذلك فهو واهم ولا يعلم حقيقة القراءة العظيمة، وإني أقول لكل من لا يرى في القراءة أهميةً: لولا أهمية القراءة وعظم أمرها لما بدأ بها رب العزة والجلالة كتابه الكريم بقوله سبحانه: (اقرأ)، ولكن هؤلاء صنف من البشر لا يفهمون ولا يريدون أن يقتنعوا بأنّ الحضارة لا تبنى بعقول جهّال تكره القراءة ولا تهتم بالكتاب وأهله.

يقول أحد الحكماء: »الكتب سعادة الحضارة، من دونها يصمت التاريخ ويخرس الأدب ويتوقف العلم ويتجمد الفكر والتأمل«، ولو تأملنا أيها الأعزاء في هذه الحكمة لعلمنا أنّها الحق المبين، وأن قائلها لم يبالغ فيها، فالكتب هي سعادة الحضارة، فهي التي تسجل تاريخها وتنطق آدابها وأشعارها وتزدهر بها علومها وعلماؤها، وتسبح في فضائها أفكارها وتأملاتها، ولولا الكتب لانتهى كلّ هذا وفقدت الحضارة نضارتها ثم انكفأت على نفسها وذبلت كما تذبل الأشجار التي لا تُسقى بماء الحياة، والكتب والقراءة فيها هي ماء الحياة لكلّ أمةٍ ومن دونها لا قرار لها ولا استمرار.

لهذا كله، فلا عجب أن نجد الفيلسوف الكبير الفرنسي فولتير (ت: 1778) يجيب عندما سُئل عمن سيقود الجنس البشري؟ فقال: »الذين يعرفون كيف يقرؤون«. فمن أراد أن يقود الجنس البشري عليه أن يقرأ ويعوّد عليها الأجيال، وإلا كُتب عليه التخلف والاندثار.

Email