رحلة كارستن نيبور إلى الجزيرة العربية 1 - 2

ت + ت - الحجم الطبيعي

في زمن لم يكن في الجزيرة العربية تاريخٌ يُذكر ولا يُسجل ولا أهمية يبحث عنها الناس من خارج الجزيرة ليزوروها، وماذا سيستفيد المسافر إلى هذه الأراضي الشاسعة الخالية من الشجر والماء إلا قليلاً في مهامه (صحاري) خالية وفيها القبائل الشرسة تجوب أرجاءها ولا حكم إلا للأقوى ولا بقاء إلا من عرف كيف يقود قومه بحد الحزم ولا عيش لمن لم يكوّن له أحلافاً من القبائل التي تستطيع الذود عن أراضيها والدفاع عن حياضها وما هم إلا كما قال الشاعر الجاهلي زهير بن أبي سُلمى :

ومن لم يذُد عن حوضه بسلاحهِ

يُهدّم ومن لا يظلم الناسَ يُظلمِ

وما هم أيضاً إلا كقول الشاعر الإسلامي جرير بن عطية الخَطفي التميمي:

إذا نزل السماءُ بأرضِ قومٍ

رعيناه وإنْ كانوا غضابا

في هذه الأجواء الخطيرة وفي تلك السنوات العصيبة في منتصف القرن الثامن عشر الميلادي أولى ملك الدينمارك فرديرك الخامس اهتماماً بالغاً بمنطقتنا آنذاك التي وصفتها لكم في مقدمة المقال وشكل وفداً من العلماء وقد اشترك معهم بدعوة من أحد أساتذته مستكشف ورياضي ألماني يدعى كارستن نيبور في عام 1760م وقد قدر الله له أن يكون هو الراوي الوحيد لهذه الرحلة الاستثنائية وكان من أهداف الملك معرفة الأقاليم العربية والبلدان المجاورة لها كمصر والشام والعراق والجزيرة العربية وإيران.

والذي يهمنا من هذه الرحلة المهمة هو ما كتبه نيبور عن الجزيرة العربية ووصفه العجيب لها وتعجبه من حالة أهلها ومدح أخلاقهم وقد ذكر معلومات مهمة كانت شائعة في وقته سمعها من العرب الذين التقاهم ولولا تقييده لها لذهبت أدراج الرياح.

من المحزن أن يكون نيبور هو الذي نجا من أعضاء الرحلة الدينماركية الذين لقوا حتفهم بسبب الأمراض وغيرها فلم يرجع إلى وطنه منهم إلا نيبور الذي قيّد الرحلة في جزأين وأصبح هو الشاهد عليها وقد وضع في كتابه خارطة للمنطقة رسمها بنفسه وكانت أقرب ما تكون إلى الصحة مما يدل على مهارته وخبرته وظلت مستخدمة لمدة مائة سنة من بعده، وإن يكن نيبور نجا من الموت وكتب مذكراته التي لاقت اهتماماً كبيراً فإنّ كتابه لم ينج من الترجمة السيئة التي طبعت به مؤخراً، فقد تعبتُ وأنا أحاول تصحيحها ولكن بلا فائدة بسبب الأخطاء في ترجمة أسماء الأعلام والأماكن مما يجعل البحث فيه من قليلي العلم والخبرة خطأ فادحاً.

ومن الطريف أن أضيف لكم أيها الأعزاء بأنه عندما تم الإعلان عن الرحلة طُلب من الناس أن يرسلوا أسئلتهم التي يريدون أجوبة عنها من خلال أعضاء هذه الرحلة بعد عودتهم وقد اطلعت على هذه الأسئلة، عجبت بل ضحكت من جهل الغربيين بنا في تلك الأيام وكأنهم يظنون أننا وحوش ولسنا من البشر وأن في بلادنا من الحشرات والحيوانات والأشجار ما لا يوجد مثله في العالم وقد تمت ترجمة هذه الأسئلة مؤخراً فمن يريد أن يضحك قليلاً فعليه أن يقتني الكتاب!. هذا وللمقال بقية.

Email