كوري .. المرأة التي فازت بنوبل مرتين! 1-3

ت + ت - الحجم الطبيعي

لتاريخ النساء في العالم كله والعالم العربيّ خاصة شجونٌ غير الشجون التي تحيط بعالم الرجال وتاريخهم فهنّ الضعيفات الرقيقات الجميلات اللاتي خُلقنَ للحنان والحبٍّ والعطف والحنوِّ على الأسرة والأطفال ومن مدارسهنّ تخرّج كبار القادة والإعلام الذين ملكوا الدنيا وقادوا الجيوش المظفّرة وبنوا عجائب الدنيا واكتشفوا للبشرية العلوم القديمة والحديثة حتى نالوا أرفع الجوائز من مثل جائزة نوبل العالمية، ولكنّ النساء ولأسبابٍ كثيرةٍ لم يحصلنَ على ما حصل عليه الرجال من الاهتمام من كُتّاب التاريخ على مر عصوره، ولا نلنَ من الحمد والخلود.

إلا قليلاً من خلال الجوائز العريقة التي لم تقدّر للمرأة جهدها وتفانيها وإخلاصها في كل وقتٍ ومكانٍ إما تحت ظل الرفاهية والغنى أو تحت ظل الذلةِ والمهانة والعمل بأجرةٍ رخيصةٍ ليعيش أبناؤها وفلذات كبدها في صحةٍ وخيرٍ ونعمةٍ وليظفروا من تعبها بحياةٍ رغيدةٍ وقد لا ينظرون إليها ولا يهتمّون بها إذا أدركوا مبتغاهم من الرفعة والعزة والأموال الطائلة ونسوا ما قدّمت لهم والدتهم فبسببها نالوا العلم واستطاعوا أن يغيّروا التاريخ لينالوا هذه الجوائز التقديرية.

حتى الآن لا نجد للنساء نصيباً في هذا التقدير العالمي بعد مرور كل هذه الحقب وقد تقع الملامة على المرأة نفسها بأنّها لم تبحث عن وضع اسمها بين سجلات الخالدين من العلماء كما فعلت العالمة البولندية الأصل ماري كوري التي بعزيمةٍ وصبرٍ منقطع النظير استطاعت أن تغيّر وجه العلم وتفرض نفسها عالمياً حتى فازت بجائزة نوبل مرتين ولا عجب في ذلك فقد استحقت ذلك بجدارة كما سنعرفه في هذا المقال.

ولدت ماري سالوميا سكلودوسكا في مدينة وارسو البولندية في السابع من نوفمبر من عام 1867م وكانت بلادها خاضعة لسيطرة القياصرة الروس وتشهد بين حين وآخر مظاهرات ضد المحتل.

كانت أمها كاثوليكية محافظة ووالدها مدرس ماهر في علم الفيزياء ويتمتع جميع إخوتها بالذكاء ولكنّ المآسي تتابعت على ماري، فقد ماتت أختها سنة 1874 ثم ماتت أمها بسبب مرض السل سنة 1878 ولم يكن العالم اكتشف بعدُ جرثومة السل مما جعلها تدخل في حزنٍ شديدٍ.

درست ماري وتخرجت من مدرستها وهي في الخامسة عشرة من عُمُرها وعُرفت بذكائها الحاد ثم بدأت مرحلة البحث عن جامعة لأنّ جامعة مدينتها وارسو لا تقبل الطالبات وعندما لم تجد حلاً لإكمال تعليمها دخلت في حالة اكتئاب مرةً أخرى فأراد والدها أن يخرجها من حزنها فأرسلها للريف لتتغير حالتها النفسية وتعيش سنة من أجمل أيام حياتها.

بعد ذلك عادت ماري إلى المدينة لتعمل مربيةً للأطفال وتعطي دروساً خصوصية للتلاميذ من أجل جمع مال يكفيها للدراسة في باريس وهذا ما فعلته في نهاية عام 1891 فقد استقلت القطار إلى فرنسا وسجلت في قسم الفيزياء في جامعة السوربون العريقة وبقيت مع أختها برونيا التي كانت تدرس الطب هناك أيضاً.

تحقق لماري ما تريد وكان عدد الطالبات في السوربون لا يتجاوز 23 طالبة من مجموع ألف طالب وهذا بحد ذاته معاناة كبيرة لها مع سكنها في غرفة باردة ليس فيها أدوات الراحة وكانت تعود كل سنة في الصيف إلى وارسو لرؤية أهلها هناك حتى تخرجت عام 1893 بعد كثير من التعب والكدّ، ولما عادت إلى بولندا حصلت على بعثة تعليمية ودرست الرياضيات حتى حصلت على درجة علمية أخرى فيها.

بدأت ماري أبحاثها الكثيرة فتوصلت هي وزوجها بيير إلى اكتشافات مهمة ومنها اكتشاف عنصر البلونيوم والراديوم وغيرها من الاكتشافات وفي سنة 1903 فازت ماري هي وزوجها بجائزة نوبل في الفيزياء ولم يستطيعا تسلم الجائزة لأنهما كانا منشغلين في أعمالهما، ثم في سنة 1911 نالت ماري جائزة نوبل الثانية في فرع الكيمياء وهذا من أعجب الصدف لتكون هذه المرأة العجيبة إحدى النساء اللاتي خلّدن أنفسهن في التاريخ وفتحت أبوابه بقوة علمها.

 بعد حصولها على الكثير من الجوائز وتغييرها مسار العلم في العصر الحديث مرضت ماري كوري بمرض خطير وبقيت سنوات تعاني منه حتى يوم وفاتها في سنة 1934 تاركة وراءها إرثاً علمياً لا يمكن أن تغفل عن جامعة من جامعات الدول المتقدمة وكل من يريد الوصول إلى الحضارة والعلوم، وهكذا يُصنع المجد.

Email