المحتسبون ومعرض الرياض للكتاب 1-2

ت + ت - الحجم الطبيعي

أثارت ندوة الدكتور معجب الزهراني حول (الشباب والفنون) لغطاً كثيراً عند أهل الاحتساب الذين لهم مهمات محددة يقومون بها بتكليف من ولي الأمر في المملكة السعودية وبين أهل الفكر ممن يريدون التجديد والتقدم والذين يرون في هؤلاء التخلّف والرجعية، حتى كثُرت هذه الأيام قصصُ المحتسبين (هيئة الأمر بالمعروف) في معرض الرياض الدولي للكتاب، فانقسم السعوديون ومن يقيم بينهم إلى مدافعٍ عنهم وعن كل ما يفعلونه من أجل خير المجتمع السعودي ونفعه، وإلى ناقمٍ يكيل التُّهم كل ساعةٍ وحينٍ ويخلط حابل المحتسبين بنابلهم ويهوّل من الاتهامات حتى بلغ ببعضهم حدّاً لا يُمكن أن يكون موضوعياً ولا يُمكن أن يقبل به من يعرف جيداً دور الهيئة ونظام تأسيسها.

المحتسب غير معصوم من الخطأ وإنما يؤدي مهامه كما يراها في حينها مناسبةً، وهم يتفاوتون في مستويات العلم وأسلوب تأدية العمل كما هي حالة البشر في كل مكان وأنا لا أدافع عنهم ولا أُبرّئ ساحتهم ولكني أذكّر نفسي وكل من يقرأ مقالي هذا بقول الله عز وجل «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة» وأيضاً أذكّر بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما كان الرفق في شيء إلا زانه» وقوله عليه الصلاة والسلام: «بشّروا ولا تنفروا»، وغيرها من الآيات والأحاديث وآثار الصحابة والعلماء التي تحثّ على ترغيب الناس في التآلف بينهم والاتفاق والرحمة وجمع الناس وترغيبهم في دينهم والبعد كلّ البعد عن التنفير والتشدّد في غير أوانه.

هذا وقبل أن أكمل موضوع الزهراني وما دار حوله أريد أن أخبركم أيها الأعزاء بأنّي قدمت من الرياض قبل يومين وشهدت معرض الرياض الدولي للكتاب وإنّي أشيد بإدارة المعرض على كل جهودهم التنظيمية وأشيد أيضا بالشعب السعودي واهتمامه بالكتاب، فقد كنت أدخل المعرض وأتجول فيه بصعوبة لكثرة زواره وقد أبهجني جداً ما رأيت من قوة الشراء وحضور الفعاليات التي مرّ جميعها على خير إلا ما حصل في ندوة الدكتور معجب هذه!.

يردد كبار السن في الإمارات بيتاً شعرياً عند حصول بعض المنازعات الكلامية ولا أعرف من ابتدعه من الشعراء:

إنّ البضائعَ إنْ قلّبتها نقصتْ

إلا الكلام إذا قلّبته زادا

وهي حقيقة نشاهدها كلّ يوم وتؤدي إلى كثيرٍ من الخصام بل الفجور فيه والمنافرة والشحناء بين الناس، وقد زاد مقهى «تويتر» العالمي هذه الآفة الشنيعة وساعد في حضورها القوي من خلال شبكات التواصل الاجتماعي فما إنْ تحصل مشكلة أو سوء فهمٍ، قليلٍ أو كثيرٍ، صغيرٍ أو كبيرٍ إلا وتجد المغردين من جميع الأطياف والأحزاب يطيرون به ويجعلون من (الحبّة قبّة) كما تقول العامة حتى يتعذر على أهل الحكمة التدّخل لحل المشكلة وهذه من معضلات هذا الوقت، فكلّ من هبّ ودبّ يستطيع الحديث وأن يدلي بدلوه كيفما شاء ومتى شاء بعلمٍ وأدلةٍ أو بجهلٍ وعاطفةٍ وهم الأكثرية التي تعاني منهم الأمة العربية والإسلامية.

يقول أحد المغردين معلقاً على حادثة ندوة الدكتور معجب الزهراني الذي هاجم التنظيم الإرهابي (داعش) لهدمه آثار الآشوريين - وقد أصاب في رأيه- فقام أحد المحتسبين بمداخلةٍ تسببت في زيادة النار حطباً بين الفرقاء المتنافرين، يقول المغرد: «الفريقان لا يُعوّل عليهما.. المثقف يحرض على المطوّع.. والمطوع يحرّض على المثقف» ولهذه التغريدة أهمية كبرى تدل على أنّ القسم الثالث الذي لم أذكره في مقدمة المقال بدأ يملُّ من الواقع، وعلى الفريقين الاهتمام بعامة الشعب السعودي الكريم وعدم إشراكه في هذه النزاعات التي يجب أن تنتهي في مكانها ولا داعي أن تتخذ منهجاً للحط من أهل الدين الذين يعملون بتكليفٍ من ولي الأمر، ولا من أهل الفكر الذين يحقُّ لهم النقد والبحث عن التطوير بشرط أن لا يكون هرطقةً ولا خروجاً عن العادات الصحيحة. للمقالة بقية.

Email