كيف احتل الفاطميون مصر عن طريق اليمن؟ 2-2

ت + ت - الحجم الطبيعي

قد يظن بعض من لا علم لديه أنّ هناك بعض المبالغة في عنوان هذه المقالة والحقيقة أنّ ما حصل قبل أكثر من ألف سنة يعود ثانيةً وكأنّ هناك من يقرأ التاريخ جيداً ويعرف كيف يستفيد منه وهذا ما يفسر لي بعض الأمور التي حُدّثتُ عنها في الثمانينات ولم أعرف لها تفسيراً إلا بعد ذلك ومن ذلك ما ذكره لي قريبٌ لي كان يدرس في أميركا أنّ جاره الأميركي المسيحي كان يحضّر لنيل درجة الدكتوراه حينئذ ويحفظ أجزاءً من القرآن أكثر من قريبي هذا، فلما سأله عن رسالته ومحتواها، أجاب الجار الأميركي: رسالتي عن كيفية فتح الصحابة لبلاد الرافدين! قلتُ لقريبي: وماذا يريد هذا الأميركي بتاريخ فتح العراق وخطط الصحابة لغزوه؟ قال: لا أدري ولكنّ هؤلاء يدرسون كل شيء!.

مرّت السنوات وسألت قريبي، هل ما زلت على اتصال بجارك القديم الأميركي؟ قال: نعم، قلتُ : أين يعمل الآن؟ قال: في البنتاغون ! قلتُ : لا غرابة إذن، إنّهم يدرسون تاريخ الشعوب جيداً ويحللونه ويستفيدون منه بشكل يفوق توقعات الآخرين، وفي منطقتنا هناك دولةٌ تقرأ التاريخ جيداً وتستفيد منه كثيراً فهل تعرفونها أيها الأعزاء؟ إذا لم تعرفوها فستعرفونها في مقالاتي القادمة إن شاء الله.

لكي لا أُبعد بكم النُّجْعة (الابتعاد عن هدف المقال) سأتابع ما بدأته من قصة إمام الإسماعيلية محمد الحبيب وهو في منطقةٍ بحمص الشام اسمها (سلمية) وقد نجح عن طريق رُسُله أن يحتل اليمن خاصة بتلميذه ابن حوشب الكوفي الذي عُرف بمنصور اليمن، فأرسل الهدايا لإمامه والأموال فقويت شوكة الحبيب وطمع في بلاد المغرب فأرسل تلميذاً آخر له يُدعى الحسين بن أحمد الشيعي ليتعلم من ابن حوشب ثم يرحل بعد ذلك إلى بلاد المغرب، فقدم إلى ابن حوشب فتعلم منه بل صار من أقرب مقربيه وكبار أصحابه.

لما وصل إلى علم ابن حوشب موت داعيي الإسماعيلية في المغرب أبي سفيان والحلواني أمر صاحبه الحسين الشيعي أن يدعو للمهدي هناك، فانطلق الشيعي إلى مكة مع حجاج اليمن وهناك التقى بوفد من قبيلة كتامة البربرية فأخذوه معهم وكان معه كثير من الذهب زوّده به ابن حوشب يقول الذهبي في أحداث 280 هجرية : « سيّر أعني والد المهدي أبا عبد الله الشيعي فأقام باليمن أعواماً ثم حج فصادف طائفة من كتامة فأنفق عليهم وأخذوه إلى المغرب فأضلهم وكان يقول إن لظواهر الآيات والأحاديث بواطن هي كاللب والظاهر كالقشر وقال لكل آية ظهر وبطن فمن وقف على علم الباطن فقد ارتقى عن رتبة التكاليف».

ثم قال الذهبي : « كان أبو عبد الله (الشيعي) ذا مكر ودهاء وحيل وربط وله يد في العلم، فاشتهر بالقيروان وبايعته البربر وتألهوه لزهده فبعث إليه متولي إفريقية يخوفه ويهدده فما ألوى عليه (لم يخف منه) فلما همّ بقبضه استنهض الذين تبعوه وحارب فانتصر الشيعي مرات واستفحل أمره».

بعد محاولات كثيرة للقضاء على هذا الداهية الشيعي لم يستطع أحد إيقافه واستفحل أمره ولا أستبعد المدد من الرجال والأموال كانت تأتيه من اليمن الذي فرض عليها سيطرته ابن حوشب، وقد زاد طلب العباسيين لعبيدالله المهدي بن محمد الحبيب الذي تولى إمامة الإسماعيلية بعد أبيه، فأذاع بأنه سينتقل إلى اليمن حيث كان ينتظر الإسماعيليون خروج المهدي هناك ولكنه انتقل عبيدالله إلى بلاد المغرب وبعد معارك طويلة دانت له البلاد في أخبار كثيرة لا يمكنني ذكرها في هذه العجالة، وقد أرسل جيوشه حتى ملك الإسكندرية وأقام دولته العبيدية في بلاد المغرب وحاول احتلال مصر هو وخليفته من بعده ولم تستقر له حتى جاء عهد حفيده «المعز» فدخل مصر في سنة 362 هجرية وأقام فيها الدولة الفاطمية التي استمرت لقرون.

مما سبق يظهر لي أنّ ما يحدث الآن من الاستيلاء على بلاد العراق والشام يراد منه التمهيد لدولة شيعية جديدة كبرى في البلاد العربية وعودة الفاطميين بشكل جديد ولكن ليس بمذهب الإسماعيليين ولكن بمذهب الشيعة الإمامية الحاكمة في إيران اليوم، ولن يتم ذلك إلا بنجاح الحوثيين في اليمن وقد نجحوا نجاحاً كبيراً كما نرى وعلى حين غفلةٍ من الناس، ولا أعلم هل يتكرر الأمر بعد ألف سنةٍ وينجح المخطط أم سيفشل ؟ الأمر سيعتمد على سرعة وضع حلول قوية من قادة العرب تحول دون ذلك.

Email