وقفات مع كلمة محمد بن زايد التاريخية 3 - 3

ت + ت - الحجم الطبيعي

 استمعت إلى كلماتٍ كثيرةٍ في حياتي، أكثرها لا مكان لها في أرض الواقع، وإنما كما تقول العامة »هي للاستهلاك المحلي«، تُخدّر بها الشعوب لكي تسهل قيادتها وتخف حدّة غضبها، ولكنّ الأمر في دولة الإمارات مختلف جداً، لأنّ قيادتنا الرشيدة تفضّل الأعمال على الأقوال، ونادراً ما نستمع إليهم يتحدثون، وإذا تحدّثوا فإننا نعلم أنّ الأمر قد تمّ وأُنجز، لهذا سمعت كثيراً صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، في كلماته يقول: »نحن نعمل ولا نتكلم، ننجز من غير هتافاتٍ، ربطنا القول بالفعل«.

هذا وكما بُهرنا جميعاً بمحاضرة القيادة »لأبي راشد« في سنة 1999م، فإنّنا بغير مبالغةٍ قد نالنا نفس الانبهار من كلمة أخيه الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، بمناسبة القمة الحكومية 2015م، ولهذا أتابع معكم وقفاتي معها.

المواطن ثروة

عندما تقوم الحكومات بحساب ثرواتها من نفطٍ وموارد طبيعية وغير طبيعية، من خدماتٍ وضرائبَ وغير ذلك، فإنّ الدول المتقدمة تنظر إلى مواطينها بأنهم أصل هذه الثروات كلها، ولا بدّ من الاستثمار فيهم، لكي تدوم وترقى وتزدهر الثروات الأخرى، أما الدول غير المتقدمة، فإنّها لا تأبه لهم، بل تنظر لهم بنظرة القطيع، الذي يجب أن يطيع ويتبع ويقاتل من غير حقٍّ له مكتسبٍ يستطيع أن يفتح فاه (فمه) ليطالب به، وإن طالب به فإنّه سينتهي في لمحة عينٍ، ولكنّ الشيخ محمد بن زايد أراد أن يبيّن أهمية الشعب في بداية كلمته، ليبني عليها كلّ كلامه من بعد ذلك، وحُقّ له ذلك، لأنّ المواطن هو الأساس في كل أعمال الحكومات المتقدمة المتميزة، وإلا فإنّها ستعود لا محالة إلى مجموعة الدول المتخلفة، فقال: »الحكومة المتميزة تعتبر كل مواطن ثروة وطنية وبناء الدولة لا يعتمد على الحكومة فقط، بل هو واجب على كل مواطن ومقيم«. وعلى هذا الأساس القوي بنت حكومتنا الرشيدة كل خططها للمستقبل، فالمواطن هو الثروة، وترى أنّ كل ثروة قد تزول وهو يبقى ليكمل بناء الدولة على علمٍ ودرايةٍ، ولو تدبرنا البدايات الموفقة التي بدأ بها الشيخ محمد كلمته سنكتشف بأننا أمام أحد أكبر زعماء العرب المفوهين.

ما بعد النفط

كل عاقل يفكر في مستقبله ويبني له من اليوم ولا يركن للدعة والكسل، ويقول إنني اليوم في نعمةٍ وخيرٍ ولا داعي للتفكير في ما يأتي، بل هو آخذ بالحزم، متحفز لكل ما ينفعه وينفع أهله، فكيف شأنُ حكومة مثل حكومة الإمارات المتقدمة على كثير من الدول، وتريد أن تحافظ على تقدمها وتفكر في مستقبلها بعد شحن آخر برميل نفطٍ من الدولة بمرور خمسين سنة من اليوم، حيث يتوقع الخبراء أن ينضب النفط في سنة 2065، وهذا المستقبل غير بعيد إذا قسنا عدد سنوات الاتحاد الذي نشعر بأنه أُعلن أمس، وقد مضى عليه 43 سنة، فما تظنون في خمسين سنة، لا بدّ أنّنا سنمضي إليها بسرعة البرق، ولهذا يجب أن تُعدّ العدة وتُجّهز ثروة المستقبل، التي ذكرها الشيخ محمد، فقال رعاه الله، وهذا من أعجب وأفضل ما سمعت: »إننا اليوم نفكر ونخطط لخمسين سنة مقبلة ولمصلحة الأجيال عبر بناء اقتصاد متنوع ومتين ومستدام، لا يعتمد على الموارد التقليدية، ويفتح آفاقاً واعدة تسهم في تعزيز مقومات وقدرات الدولة«.

 

التعليم

ثم نسأل كيف يكون المواطن ثروةً ولا تهتم حكومته بتعليمه ولا الارتقاء به في مجالات الحياة المختلفة، وتحثه ليصل إلى أعلى الدرجات علماً وخبرةً، يفيد بها دولته ويستفيد منها ويزيد من دخله، فيكون ثروةً حقيقية لأهله ومجتمعه وحكومته ؟!، وكيف يستطيع هذا المواطن أن يكون معيناً لنفسه ودولته بعد نضوب النفط وانتهاء موارده إذا لم يكن مؤهلاً تأهيلاً صالحاً، يؤهله ليسد هذه الموارد الطبيعية بجهده وعمله وعلمه، ولهذا قال »أبو خالد« مشدداً على هذه المسألة، لأهمية التعليم القصوى: »في قطاع التعليم، أؤكد ضرورة الاستثمار في الإمكانات المتاحة في هذا القطاع المهم في صياغة المستقبل.

كما أؤكد وجود تحديات كبيرة لقطاع التعليم، وضرورة وجود رؤية واضحة لاستراتيجية التعليم للأعوام الـ 25 المقبلة، وتنمية الكوادر البشرية المستقبلية. رهاننا الحقيقي في الفترة المقبلة هو الاستثمار في التعليم، نحن نعيش فترة لدينا فيها خير ويجب أن نستثمر كل إمكانياتنا في التعليم، لأنه سيأتي وقت بعد 50 سنة ونحن نحمل آخر برميل نفط للتصدير، وسيأتي السؤال هل سنحزن وقتها؟ وأجيب: إذا كان الاستثمار اليوم في مواردنا البشرية صحيحاً فأنا أراهن أننا سنحتفل بتلك اللحظة، لا شك أنّ هناك تحديات كثيرة في التعليم، ولكن لابد أن تكون هناك رؤية واضحة للقيادة العليا لمخرجات التعليم والتخطيط لمواردنا البشرية لأكثر من 25 سنة مقبلة«. للحديث بقية.

Email