محمد بن راشد..أخي وصديقي ومعلمي

ت + ت - الحجم الطبيعي

بسبب وعكة صحيةٍ ألّمت بي، لم أستطع الحضور في أول جلسات القمة الحكومية الثالثة التي تقام في إمارة دبي في هذه الأيام بعد نجاحين كبيرين حققتهما هذه القمّة، ولا يشكُّ أي مراقب في أنّ هذه الدورة الجديدة من أعمالها تم إعدادها بشكل أكبر بكثير من السنتين الماضيتين، حتى يظنّ المتابع لأسماء المتحدثين أنّ ممثلين عن حكومات العالم أجمع قد قدموا إلى دولة الإمارات ليشاركوا في هذه القمة الاستثنائية بكل المعايير، وإني أسميها استثنائية، لأنها حقاً كذلك.

فقد توّجت بتشريف سيدي سمو الشيخ محمد بن زايد، حفظه الله، لإلقاء كلمةٍ تُعدّ الأولى من نوعها لسموه ولأهالي الإمارات، بل للعالم كله، لأنّه يتكلّم فيها عن المستقبل، مستقبل أبنائنا وأحفادنا على هذه الأرض المعطاء.

ويجيب عن سؤال مهم للغاية، وهو ماذا يريد أن تكون عليه دولة الإمارات بعد خمسين سنة حين يتم تصدير آخر شحنة نفطية من هذه الدولة التي بلغت اليوم أعلى التصنيفات الدولية في السعادة والرخاء والحوكمة والنظُم وغيرها.

علمت أنّ كلمة سمو الشيخ محمد ستكون تاريخية، ومع شعوري بالضعف بسبب مرضي حدثت نفسي فقلتُ: لا بدّ أنْ أحضر القمة لأستمع هذه الكلمة الاستثنائية، ولا يفوتني هذا اليوم، ففعلت وقدمت إلى (مدينة جميرا) حيث تقام القمة.

وإذ بأعدادٍ غفيرةٍ من الحاضرين غير متوقعةٍ، فسألت بعض الأخوة هناك: لماذا تجمهر كل هؤلاء؟ فأجابوا: لقد قدموا للاستماع لكلمة الشيخ محمد بن زايد، فقلتُ: لا غرو إذاً لو استطاع أهالي الإمارات كلهم الحضور، لحضروا حبّاً وتقديراً وافتخاراً بهذا الزعيم أخي الزعيم وابن الزعيم.

كان من حسن حظي أن قدّر الله لي أن أدخل القاعة التي غصّت بالحضور، وإذ بعريفة الحفل تدعو سمو الشيخ محمد لإلقاء كلمته، فوقفت ومعي كثيرٌ مثلي لم يجدوا كرسياً من شدة الزحام، ووقف الناس تحية له، ثم حيّا وابتدأ بهذه الكلمات التي أعادتني الذاكرة وأنا أستمع إليها إلى قرابة عشرين سنةٍ مضت.

وأنا أكتب وأسجّل تاريخ هذه العلاقة الأخوية والصداقة الخالصة الصادقة بين سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حفظه الله، وسمو الشيخ محمد بن زايد، وحرص «أبي خالد» على مشورة أخيه «أبي راشد» مضرب مثلٍ يعرفه كل من تعامل مع هذين الزعيمين.

وها هو ذا يلخّص كلّ ما كتبته في ثلاث كلمات جعلتها عنواناً لمقالي اليوم: «محمد بن راشد أخي» الذي لم تلده أمي حين تشتدُّ الأمور وتتمايز، هناك يعرف الإنسان مقدار إخوته وحاجته إليهم وحاجتهم إليه وما هو إلا كقول الأول:

أخاكَ أخاكَ إنّ من لا أخا لهُ

كساعٍ إلى الهيجا بغير سلاحِ

نعم من ليس له أخٌ قويٌّ حكيمٌ يعينه على نوائب الدهر فإنّه كمثل الذي يسعى إلى الحرب (الهيجاء) بغير عدةٍ ولا عتادٍ أو سلاح، ولهذا بدأ الشيخ محمد بن زايد بقوله: «محمد بن راشد أخي»، وهو كذلك، فما عرفناه إلا أخاً لا يتردد في الوقوف مع إخوته من عامة الناس وخاصتهم، وإعانتهم على الحق منذ صغره، فهو يمثل معنى الشهامة بكل معانيها.

ثم أضاف الشيخ محمد بن زايد: «وصديقي»، وهذا معنى خاص، وله وقع مؤثر في نفوس المستمعين، فإنّ الإخوة كثيرون، ولكنّ الإخوة الأصدقاء قلّة، وهذا ما نشاهده كثيراً في حياتنا، لأنّ اسم الصداقة مشتق من الصدق في المعاملة والتحمّل والصبر، والصديق أقرب الناس إلى القلوب، ورب صديقٍ أقرب إليك وأنفع من أخٍ لك ولدته أمك من أبيك.

ثم ختم هذا المديح والإطراء بأفضل الأوصاف، حيث قال: «ومعلّمي»، ولا حاجة لي أن أشرح لكم عظم هذه الكلمة في قاموس المعاني وفي حياة الناس، ولكنّي أريد أن أختصر لكم بأنّنا نشعر جميعاً بأنّنا تخرجنا في جامعةٍ عريقةٍ علمتنا الكثير، وهي جامعة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، هذا شعورنا واعتزازنا ونحن من عامة الشعب، فكيف يكون الأمر عندما يذكره ويقدّره ويعتزّ به زعيمٌ كبيرٌ مثل الشيخ محمد بن زايد، لا بدّ أنّ الأمر عظيم جداً..

هذا، وللحديث بقية غداً إن شاء الله.

Email