هامة المجد.. عندما يسطر الشعر الملاحم - 4-4

ت + ت - الحجم الطبيعي

 شرحت في المقالات السابقة بعضاً من خصائص رائعة شاعر العرب وفارسها التي أسماها (هامة المجد) وذكرت جملةً من الرسائل الضمنية التي وجهها من خلالها وإنّي على يقينٍ بسبب عمق معاني هذا الشاعر القائد الكبير فإنه يصعب على كثير ممن لا يعرف العوم في أعماق الشعر والسياسة ويعرف كيف يصيد الفوائد منها أن يصل إلى الرسائل التي لا يتفطّن لها إلا القليل من كبار الشعراء والمحنّكين، بل ستمرُّ عليه برداً وسلاماً كما تمرُّ على أمثاله كلّ وقتٍ وهم لا يشعرون، وكما بيّنت سابقاً بأنّ المعنيين في هذا الرائعة التاريخية قد لا يصلون إلى هذا الفهم العميق حتى يفيق المتأخونون في الخليج العربي على حقيقةٍ واحدةٍ وهي أنّهم فقدوا وطنهم وحياتهم وأحلامهم ودينهم بسبب جماعةٍ إرهابيةٍ لا تمتُّ لهم بصلةٍ علّمتهم الإجرام والحقد وعصيان أولياء الأمور والكذب على الناس والتستر بالأساليب البالية في خداع المغفلين عن طريق الدين والظهور المكثف في الإعلام وقد أزف كل هذا بالزوال السريع وقد انتهى زمن الغشّ ودغدغة قلوب الناس الطيبين في الجزيرة العربية بحب الإسلام والدعوة إليه وأنهم يدافعون عن الإسلام السنّي، وكذلك كُشفوا في بلاد الإسلام كله فلا ترى أحداً إلا ساخطاً عليهم لتخريبهم البلدان الآمنة ومكذباً أيضا لأقاويلهم الباطلة من أصلها لعلم الناس أنّ هذا كله من أجل الدنيا وجني الأموال كما قال الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ،حفظه الله، وهذه أول مرة في تاريخ الشعر الحديث يذكر زعيم عربيٌّ في شعره هؤلاء المتحزبين ويصفهم بأبلغ وصف حين قال:

وفي الشرع حكم لمثلك وانته به خابرْ

                     ونعذر مثلك ومهما تقول ما نبالي

من روس لاخوان لي تفكيرهم بايرْ

                     تخدع بمنهجك ضلالٍ وجهّالِ

نعم في الشرع الحنيف حكم لأمثال هؤلاء الذين يريدون تفريق وحدة المسلمين واستخدام الدين ستاراً لأطماعهم في الوصول إلى المال والثروات من خلال التغلّب على الدول المنكوبة بهم، ولكنّ تفكيرهم الفاسد (الباير) لا يستطيع أن يخدعوا به إلا من هم مثلهم في الجهالة والضلالة والعياذ بالله منهم.

يتابع الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في إرسال رسائله العظيمة وهذه هي الرسالة الخامسة ولكنه كما بدأ بتحية الكويت وحاكمها وشعبها أراد أن ينهي القصيدة بهم وأن يخصهم بالنداء والمدح الكبير فوصفهم بالكرام وهم خليقون بهذا الوصف الجميل، ويريد أن يخبرهم بأنّ البذيء الشاتم للكرام ليس منهم، ولأنهم شعبٌ طاهرٌ فلن يصمتوا على إساءات كل من يعيب أشقاءه وجيرانه ولا يراعي حرمتهم، ثم طمأنهم بأنّ أمثال هؤلاء لا يهمون حكام وشعب الإمارات في ما قالوه وما فعلوه لأنهم لن يعدوا قدرهم فشعب الإمارات تعوّد على الأفعال ويعرف كيف يردُّ عن نفسه، وهذا تنبيه خطير لمن كان عقل، فمن له خبرة بمفهوم السياق الشعري سيعلم أنّه يقول: إنّ شعب الإمارات متعودٌ على الأفعال وإذا أراد أمراً أتمه، وأنّ الشخص الحليم القويّ القادر سيكظم غيظه لا محالة ولكن كما يقال: "اتق شرّ الحليم إذا غضب" لأنّ غضبه سيكون مزلزلاً، يقول:

يا اهل الكويت الكرام وشعبها الطاهرْ

                       ما همّنا من يقول وشو بعد قالي

شعب الامارات يوم ايريد شي قادرْ

                     وشعب الامارات متعود ع الافعالِ

وساعة "محمد" ينادي ايرد له امرْ

                    ومن رجع أمره يهزّ الارض زلزالِ

محشوم قدره وكل ف امره ايبادرْ

                    يبغي رضاه بعزوم ف كل الاحوالِ

ثم بعد هذه القطعة الفنية الشعرية الفاخرة التي وضعها قبل نهاية قصيدته ينهي الشاعر البليغ مؤكداً على كل ما سبق في مدح الكويت وحاكمها الحكيم ،حفظه الله، ومبادراته لجمع شمل العرب وحل مشاكلهم وأنّ سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان يقدّر موقف أشقائه في الكويت ولن تتغير مودته لهم أبداً لأنّ شعب الخليج العربي شعبٌ واحدٌ ولن يستطيع أحدٌ أن ينجح في شق صفوفه، يقول حفظه الله:

هو عندنا اليوم سيره ما لها آخرْ

                          وهو عندنا دوم فوق الكل لازالِ

وهو ترى للكويت وشعبها عاذرْ

                       مثل الجبل ما تهز الريح لجبالِ

حكمةْ لامير وسخاه اتطيّب الخاطرْ

                       لي للامارات قلبه دوم ميّالِ

دايم سمّوه لوحدةْ صفنا امبادرْ

                     وخليجنا شعب واحد ارض واهالي

هذا وفي الخاتمة أريد أن أشكر سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ،حفظه الله، على هذه الرائعة التاريخية والتي تشرفت بكتابة هذه المقالات عنها مع اعترافي بأنّ شعر الشيخ محمد وشخصيته لا يختلفان، فلكي نفهم شعره علينا أن نغوص في أعماق شخصيته الفريدة والعكس صحيح، وهذا أظنه لن يتأتى لي ولا لغيري ولكنّي حاولت قدر استطاعتي وأرجو أن أكون قد وفّقت في شرح ما خفي على علم كثيرٍ من القرّاء.

Email