النقاب في الأدب العربي 3-2

ت + ت - الحجم الطبيعي

نكمل الحديث عن النِّقاب في الأدب العربي وقد ذكرت لكم معانيه في اللغة وأنواعه وكيف اشتقت لغتنا العربية لكل وضعٍ منه مفردةً جديدةً بشكل عجيبٍ يدلك على سعة هذه اللغة العظيمة فهي كالمحيط تتلاطم أمواجها، ويحزنني أن أرى الدارسين لها قلّةً والغائصين في أعماقها أقلَّ منهم.

شاع في أشعار الجاهليين والإسلام مدح النقاب والتغزل فيه بل جعلوه لباساً ملازماً للحرائر الكريمات الجميلات وفي ذلك يقول الحطيئة.

طافتْ أمـامةُ بـالـركـبـــانِ آونةً   

                                            يا حسنهُ من قوامٍ ما ومنتقبا

إذ تستبـيكَ بـمـصـقـولٍ عـوارضـهُ

                                           وكذّبتْ حبَّ ملهوفٍ وما كذبا

يمدح الحطيئة في هذا البيت قوام التي يتغزل بها ومكان النقاب منها وذلك يقول :«يا حسنهُ من قوامٍ ما ومنتقبا» وحرف «من» زائدة ولهذا قال «ومنتقبا» بالنصب كأنها قال: يا حسنها قواما ومنتقبا، وقوله: «مصقول عوارضه» يعني أنّ أسنانها قد صقلتها بالسواك.. فرشاة ذلك العصر.

أما في البلاغة الشعرية واستخدام النقاب في معنى جميل فإنّ من أعجب من استخدم في شعره معنى النقاب والسفور فاستفاد منه مالاً كثيراً: أعرابيٌّ دخل على القائد الأموي خالد بن عبدالله القسري البجليّ (ت:126 هـ) فأنشده:

كتبتَ نعمْ ببابك فهي تدعو

                                   إليك الـنـاسَ مـسـفـرةَ الـنّـقـابِ

وقلت للا عليكِ ببابِ غـيري

                                   فإنّـك لـن تـُريْ أبـــداً بـبابـــي

فأعطاه لكل بيت خمسين ألفاً ، وهو مالٌ كثيرٌ على بيتين ولكنّهما بيتان من عيون الأشعار ويغنيان عن قصائد، ولا أدري أهي مبالغة في العطيّة من خالد أم هي من أكاذيب الرواة؟! ولكن هكذا جاءت الرواية وإن كانت حقّا فنقول : يستاهل الشاعر.. للمقال بقية.

Email