النقاب في الأدب العربي 3 - 1

ت + ت - الحجم الطبيعي

خاض المتحدثون كثيراً هذه الأيام والإعلاميون والفقهاء وعامة الناس في أحاديث كثيرة وأحكام فقهية وأُثيرت مشاعر عامة الناس بأمورٍ لم يكن في حسبان أحدٍ أنها ستثار بهذه الطريقة في بلادٍ لا تُثار فيها مثل هذه المسائل، ولكنّ الحادثة المأساوية التي راحت ضحيتها معلمة أميركية في أحد المراكز التجارية في عاصمتنا الحبيبة (أبوظبي) على يد امرأةٍ تسترت بلباس الكريمات الرحيمات لتخفي نفسها وتفعل فعلتها والناس عنها غافلون، جعلت الناس يصابون بخوفٍ وذهولٍ كبيرين من هول المفاجأة التي كشفتها أجهزة المراقبة فاستدلت بها أجهزتنا الأمنية المتفوقة خبرةً ومهارةً على مرتكبة الجريمة خلال ساعاتٍ، وهكذا عوّدت دولة الإمارات العالمَ بأنّها دولة إنجازاتٍ ولو كانت في ظروفٍ مؤلمةٍ وحزينةٍ مثل هذه، لتعلن بأنه لن تسمح قيادتنا الرشيدة ولن يرضى شعب الإمارات المخلص أن يمسّ أحدٌ أمن دولتنا وأمانها.

كان العرب يستعظمون قتل النساء في الحروب ولا يرونه من الشجاعة ولا الرجولة، وجاء الإسلام فأقرّ هذه الأخلاق العالية، فقد جاء في الحديث الصحيح أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نهى عن قتل النساء والصبيان» ومرّ على امرأة مقتولة فقال عليه الصلاة والسلام: «ما كانت هذه لتقاتل»، ومما جاء في الأشعار قول عمر بن أبي ربيعة عندما رأى امرأة مقتولة:

إنّ من أعظم الكبائرِ عندي

قتل حسناءَ غادةٍ عطبولِ

قُتلت باطلاً من غير ذنبٍ

إنّ لله درّها من قتيلِ

أقول كيف لو علم الشاعر عمر بن أبي ربيعة بأنّ امرأةً في هذا العصر الحديث تقوم بتقطيع شرايين امرأةٍ معلمةٍ حتى فارقت الحياة من أجل دوافع مهما بلغت فلن تبلغ هذه الدرجة من الوحشية.

نعود إلى حديثنا عن النقاب في أدبنا العربي حيث عرفته النساء العربيات منذ الجاهلية حتى اليوم، وذلك لما عُرفت به نساء العرب من طلب الستر قبل الإسلام ثم زاد هذا الأمر من بعد البعثة المحمدية ولن أتطرق إلى الخلاف المذهبي حول الوجه وجواز كشفه من عدمه، ولكنّي أدركت النساء في بلادنا يلبسن البراقع القديمة بل كانت مصدر رزق لبعضهنّ وأخريات يضعن غشاء الوجه عليه ليخفين أنفسهن طلباً للستر والأمر مشهور ومعروف قديماً وحديثاً عند النساء في هذه البلاد الطيبة وسائر دول الخليج العربي.

النقاب في اللغة

يقول ابن منظور صاحب لسان العرب: «النِّقابُ القِناع على مارِنِ الأَنْفِ (طرف الأنف)، والجمع نُقُبٌ، وقد تَنَقَّبَتِ المرأَةُ، وانْتَقَبَتْ، وإِنها لَحَسَنة النِّقْبة، بالكسر، والنِّقابُ على وُجُوهٍ؛ قال الفراء: إذا أَدْنَتِ المرأَةُ نِقابَها إِلى عَيْنها، فتلك الوَصْوَصَةُ، فإِن أَنْزَلَتْه دون ذلك إِلى المَحْجِرِ، فهو النِّقابُ، فإِن كان على طَرَفِ الأَنْفِ، فهو اللِّفَامُ. وقال أَبو زيد: النِّقابُ على مارِنِ الأَنْفِ». قلتُ: من جمال اللغة العربية أنها تجعل لكل صفة أو فعل مفردةً جديدة غير الأخرى كما علمتم في وضع القناع على الوجه فوصوله إلى العين وصوصة كما قال المثقب العبدي:

ظهرنَ بكلّةٍ وسدلنَ أخرى

وثقّبنَ الوصاوصَ للعيونِ

أما وصول القناع إلى المحجر فهو نقاب وإن وضعته على مارن الأنف فهو لفام .. هذا وللمقالة بقية.

Email