البحث عن أصل اشتقاق دلة القهوة »2-2«

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما أقلب المعاجم المؤلفة لشرح معاني اللهجات العربية أجدها مختلفة من حيث الدقة والاتقان، ولكنّ مجملها صالح للقراءة والاستفادة لأنّ مؤلفيها من نفس البيئة التي نشأت فيها اللهجة وهم علماء كبار في علوم اللغة العربية، فجاءت معاجمهم فيها كثير مما ينفع الباحثين، وإني وإنْ مدحتها فلا أقول إنّها لا تخلو من الأخطاء لأنّ العصمة لله عزّ وجلّ ورسوله عليه الصلاة والسلام، ولكنّ الأخطاء يمكن تصحيحها وتداركها لأنّها ليست كثيرة، بعكس المعاجم التي ألّفت في لهجتنا الإمارتية فإنّها مؤلفات عجيبة وضعيفة لا يمكن الاستفادة منها، اللهم إلا قليلا لأنّ مؤلفيها ليسوا من أهالي هذه المنطقة ولا يعرفون معاني لهجتنا العامية، وأيضا ليسوا علماء في اللغة العربية وهذا مما يزيد الطين بِلّةً.

اسم »الدلّة« اسم مشهور ولم أجد أحداً يخبرنا عن أصل اشتقاقها وكيف وصلت إلينا وفي أي قرنٍ من القرون الماضية، لأننا نفتقر إلى معاجم لغوية تاريخية تبيّن تطور اللغة العربية ولهجاتها، وكيف وصلت إلينا المفردات واستبدلت وتغيرت على مر العصور؟ ولكنّ هذا الأمر أراه بعيداً جداً بسبب انشغال علماء اللغة في تحقيق المصنفات اللغوية مع قلة عددهم، وكان الأولى أن يشتغلوا بكتابة المؤلفات الحديثة التي تفيد العربية وتجدّد من شبابها وتدافع عنها أمام هذه الهجمات المتواصلة من أعدائها.

اشتقاق »الدلة«

حروف اسم »الدلّة« حروف عربية ليست أعجمية، مكونة من الدال واللام المشددة والتاء المربوطة، وجمع »الدَلّة« في لهجتنا »دِلال« بكسر الدال، وإذا تتبعنا جذر المفردة فسنجد أنّ المشابه لها من المفردات:

أولا؛ دلّ: وتفيد معنيين أحدهما إبانة الشيء بعلامةٍ تتعلّمها مثل دللته على الطريق، والآخر اضطرابٌ في الشيء مثل دلال المرأة وتغنجها.

ثانيا؛ الدلو: وهو آلة معروفة تجمع على دِلاء لأخذ الماء من الآبار، فيمتلئ جوفها فترفع ثم تصب في أوعية الذين يأتون للسقيا.

أيها الأعزاء، أي الاشتقاقين أقرب »لدلة القهوة«؛ المعنى الأول الذي يعني الدلال والتغنّج، أم المعنى الثاني الذي يعني الآلة التي تجمع الماء في جوفها من أعماق البئر؟

قد أكون قرّبت المعنى، ولكني سأقرّبه لكم أكثر وأقول: وجدنا في المعاجم الحديثة:

- الركوة: وهي تعني إبريق القهوة و»الدلّة«، أما في المعاجم القديمة فكانت تعني الدلو الصغير.

- البكرج: مفردة تركية الأصل وتعني الإناء النحاسي الذي توضع فيه القهوة وتُصَبّ منه، وتستخدم في نقب الأردن، وهي في التركية تعني السطل، ومن معاني السطل الحديثة الدلو.

مما سبق يظهر جليا أنّ المعنى الثاني وهو الدلو، هو الأقرب للاشتقاق بسبب الأسماء المشابهة لها في العربية والتركية، واستخدام الحضر والبدو لنفس المعاني، وقد نقل صاحب كتاب »تكملة المعاجم العربية« أنّ أهل دمشق يسمون »الدلّة« بـ»دلوة«، وهذا ما يؤكد الاشتقاق الذي ذهبت إليه، فهي كأنها الدلو الصغير الذي يسقي الناس، وللتخفيف قلبوا الواو لاما فقيل »دلّة«، وقد جُمعت بنفس جمع دلاء بكسر الدال فقيل »دِلال« بكسر الدال أيضا، هذا والله أعلم.

Email