هناك كثير من مسمّيات الآلات في العامية نستخدمها ولا نعرف لها أصلاً ولا نسأل لماذا سمّيت بهذا الاسم؟ بل لا يخطر على عقولنا هذا السؤال وإن كان بعض هذه الأسماء غريباً جداً، لأننا تعودنا عليها ومن هذه المسميات «الدَلّة»، دلة القهوة التي لا يمكن أن تغيب عن بيتٍ أو مجلسٍ وإلا لكان الأمر فظيعاً وفيه قلّة تقديرٍ للضيوف القادمين، والقهوة لدينا أهم في إكرام الضيف من الذبائح التي تذبح كرامةً له، وقد جرت العادة بأنّ من لا يشرب قهوة مُضيفه فإنه يدرك مباشرةً بأنّ في قلبه موضوعاً يمنعه من شربها، ولهذا يسارع المُضيف بإتمام حاجة الضيف ليشرب من قهوته، وهذا لجلالة قدرها عند العرب، واليوم نرى من لا يعرف عاداتنا في مجالس الحكام والأعيان تقدم لهم القهوة في فنجانٍ صغيرٍ ولن يتغير عليه شيء لو تناولها كما هي عادة أجدادنا الكرام، ولكنه يقوم بردها ولا يبالي بأنّ ما فعله معيبٌ في حقّ المضيف للأسف!

قبل الحديث عن «الدلة» واشتقاقها أخبركم أيها الأعزاء بأنّ القهوة في الجاهلية تعني «الخمر»، لأنها تُقهي صاحبها عن الطعام أي تجعله يكرهه، ومنه قول الشاعر المرقّش الأكبر:

وما قهوةٌ صهباءُ كالمسك ريحها

تُعلّى على الناجودِ طوراً وتُقدحُ

ولا يزال هذا المعنى نستخدمه في العامية فيقال: «فلان يتقهوي نعني به أنه يشرب المسكر»، وأغلب الظنّ بأنّ العرب سمّوا شرب (البن) بهذا الاسم استبدالاً لاسم المسكر الحرام بالشراب الحلال، ولقصة نشأة القهوة حديث طويل سأذكره لكم في مقالاتٍ أخرى. هذا وللمقال بقية غداً بإذن الله.