استباحة المدينة بين الحق والباطل! 2-2

ت + ت - الحجم الطبيعي

في كتب التاريخ كثير من الحق والباطل والصدق والأكاذيب بل فيها الأساطير التي لا يصدقها عاقل وكذلك مرّ في تاريخنا الإسلامي الطويل كثير من الأحداث فمنها العواصم المفرحة ومنها القواصم المبكية، ولهذا أيها الأعزاء علينا أن نتحرى في ما ننقل ونروي فإنّ أحداثا تقع في بيوتنا الخاصة وفي أماكن عملنا لا نعرف تفاصيلها فكيف نعرف ونتأكد من أحداثٍ وقعت منذ أربعة عشر قرناً كحادثة فتك مسلم بن عقبة المري بالمناوئين ليزيد في المدينة المنورة؟! ومع هذا علينا أن نروي ما وجدناه صحيحا مرويا بأسانيد قوية يمكن الاعتماد عليها كما ذكرت ذلك لكم مراراً. ولنتابع الحديث عن موضوعنا وتحرينا لموضوع انتهاك الأعراض في هذا الخبر الممزوج صدقه بكذبه.

ثالثا: حرمة المدينة

المدينة المنورة لها ولأهلها حرمة إلى يوم القيامة ولها فضائل تميزها عن سائر المدن ويكفي دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لها: »اللهم بارك لنا في ثمرنا وبارك لنا في مدينتنا وبارك لنا في صاعنا وبارك لنا في مُدّنا اللهم إنّ إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك وإنّي عبدك ونبيك وإنّه دعاك لمكة وإني أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك لمكة ومثله معه«..

وكذلك تحذيره لكل من يريد المساس بها وبأمنها فقال: »لا يكيد أهل المدينة أحدٌ إلا انماع كما ينماع الملح في الماء«، وفي روايةٍ: »ولا يريد أحد أهل المدينة بسوءٍ إلا أذابه الله في النار ذوبَ الرصاص، أو ذوب الملح في الماء«، وقد قال العلماء في شرح هذا الحديث: أنّ هذا الوعيد خاص بالآخرة بدليل قوله »في النار ذوب الرصاص«، وبعضهم يقول: إنه خاص بزمن الرسول عليه الصلاة والسلام فمن أرادها بسوء يضمحل أمره مثل اضمحلال الرصاص في النار، وبعضهم جعلها على الإطلاق فمن يخيف المدينة يعاجله الله بالعقوبة كما حصل لمسلم بن عقبة.

رابعاً: هل يجوز لعن من أخاف أهل المدينة؟

جاء في الحديث: »من أخاف أهل المدينة ظلماً أخافه الله، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً« واستدل بهذا الحديث بعض العلماء على جواز لعن »يزيد«، لأنّه قتل مجموعة من أهل المدينة وأخاف أهلها، قلتُ : لعن المعيّن لا يجوز بل يحتاج إلى دليلٍ واضحٍ لأنّ أهل المدينة رأوا الخروج على الخليفة يزيد، وكانوا قد بايعوه لأنهم بلغتهم أمور لم يرضوها عنه فخرجوا متأولين، ويزيد في الشام يريد أنْ يوحّد ملكه ويثبت دعائمه فتأوّل أيضا هذا الحديث »من بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه ما استطاع، فإنْ جاء أحدٌ ينازعه فاضربوا رقبة الآخر«، فقتل قائده مسلم بن عقبة المري المعارضين من أهل المدينة المحاربين وأسرف فعاجلهما الله بالعقوبة سريعا فمات مسلم في سنة 63هـ ومن بعده يزيد في سنة 64هـ.

خامسا: هل انتهكت الأعراض؟

ذكرت لكم أن مادة استباح تعني السيطرة على المدينة، وتملك أموال الناس المغلوبين وهتك الأعراض، فأي هذه المعاني يصح عند المسلمين العرب في وقت يزيد ومسلم بن عقبة من العرب الأقحاح الذين يعتقدون أنّ الحفاظ على النساء من المروءة ولا يبيحون لأحد أن يتعرض لهن وإن شاركنّ في حربٍ فإنّ المنتصر العربي يعيدهن مكرماتٍ إلى بيوتهن، كما هو معروف من أخلاق العروبة، فكيف يُصدّق خبر هؤلاء الكذابين بأنّ ألف امرأةٍ حملت بغير زوج بسبب استباحة المدينة من قبل جند مسلم بن عقبة سنة 63هـ إنّ هذا افتراء وكذب وتزوير للحقائق يجب أن يحذف من تاريخنا كله وعلينا تحري الحقيقة لأن وقعة »الحرة« وقتال أهل المدينة وقع بلا شك، ولكن لنأخذ الصحيح ولنترك روايات أبي مخنف وأمثاله من الكذابين.

Email