تاريخ الطبري.. ومدرسة المشاغبين »3-3«

ت + ت - الحجم الطبيعي

في هذه الأيام المباركة من شهر رمضان الكريم التي جعلها الله عزَّ وجلَّ موسماً للعبادة ونيل الأجور والتعرّض للنفحات الربّانية، يقوم مثل هؤلاء من الإعلاميين الكتّاب الذين كان يُظنُّ فيهم الصدق والأمانة والبحث الأكاديمي في كلّ ما ينقلونه إلى الناس من خلال القنوات الفضائية والإذاعات أو الكتابة في المجلات والصحف، بنشر التشكيك في تاريخنا الإسلامي وتشويهه منذ أربعة عشر قرناً، وخاصة القرون الأولى قرون العزة والمجد التي ضرب فيها أعلام الإسلام الأوائل من خاصةٍ وعامةٍ أروع الأمثلة من العدل والتقى والمروءة والحثّ على العلم وتكريم العلماء والشعراء والأدباء، وذلك ببحث أيام الفتن وتدريس الأجيال الناشئة كل روايةٍ موضوعةٍ مصنوعةٍ بسبب التعصب المذهبي الطائفي التي قتلها العلماء بحثاً ودراسةً وبيّنوها لنا - رحمهم الله - ولكنّ هؤلاء الإعلاميين يريدون بثّ الفتنة مرةً أخرى وبذر الشك في قلوب الصغار، ومن لا علم له بماضينا العريق، وكأنه عملٌ مقصودٌ مبنيٌّ على خططٍ قد أُعدّت من قبلُ، والآن جاء وقت تنفيذها بدعوى نشر الحقيقة وتنبيه الناس، وهو والله كذبٌ بواحٌ وعلم مُذرّح (مسموم)!

ولعل من المناسب أن ندخل في موضوع روايات الكتاب الموسوعي لأبي جعفر الطبري المسمّى »تاريخ الأمم والملوك« باختصارٍ، وماذا قال عنه كبار العلماء؟

أولاً: قول العلماء

يقول المحقق محب الدين الخطيب (1886-1969م) في تعليله لسبب نقل الطبري الأخبار الصحيحة والضعيفة في تاريخه: »إنّ مثل الطبري ومن في طبقته من العلماء الثقات المتثبّتين - في إيرادهم الأخبار الضعيفة - كمثل رجال النيابة الآن إذا أرادوا أن يبحثوا في قضية، فإنهم يجمعون كل ما تصل إليه أيديهم من الأدلة والشواهد المتصلة بها، مع علمهم بتفاهة بعضها أو ضعفه، اعتماداً منهم على أن كل شيء سيقدَّر بقدره.

وهكذا الطبري وكبار حملة الأخبار من سلفنا، كانوا لا يفرّطون في خبر مهما علموا من ضعفِ ناقله، خشية أن يفوتهم بإهماله شيء من العلم ولو من بعض النواحي، إلا أنهم يردُّون كل خبر معْزواً إلى راويه، ليعرف القارئ قوة الخبر من كون رواته ثقاتاً أو ضعفَه من كون رواته لا يوثَق بهم، وبذلك يرَوْنَ أنهم أدُّوا الأمانة، ووضعوا بين أيدي القرّاء كل ما وصلت إليه أيديهم، قال الحافظ ابن حجر في ترجمة الطبراني من لسان الميزان: إن الحفّاظ الأقدمين يعتمدون في روايتهم الأحاديث الموضوعة مع سكوتهم عنها على ذكرهم الأسانيد، لاعتقادهم أنهم متى أوردوا الحديث بإسناده فقد بَرِئوا من عهدته، وأسندوا أمره إلى النظر في إسناده«.

ثانياً: رُواة الطبري

لا شك أنّ تاريخ الطبري يحوي كثيراً من الروايات الصحيحة، ولكن كما قدمت لكم هناك روايات ضعيفة، ومنها روايات مختلقة بيّن أهل العلم كذبها، وقد ذكروا علّة إسقاطها، وهي وجود الرواة الكذابين المتروكين في أسانيدها، من أمثال أبي مخنف لوط بن يحيى الذي قال عنه المحققون مثل العلامة ابن حجر: »إخباريٌّ تالفٌ لا يوثق به«، والمصيبة أنّ الطبري روى عنه 600 رواية، معظمها من وضعه وكذبه إن لم نقل كلّها، وهي تبدأ من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم حتى سنة (132) للهجرة، وهي فترة الأحداث الكبرى التي زوّر فيها الكذابون أشياء كثيرة، ومنها وقعة الحرّة، واستباحة المدينة، كما سأبينها لكم إن شاء الله.

ومن أمثال هذا الكذّاب أيضاً قد روى الطبري في تاريخه عن هشام بن محمد بن سائب الكلبي الذي قال عنه ابن معين: »ليس بشيء كذّاب ساقط«، وأيضاً روى الطبري عن جابر بن يزيد الجعفي الذي قال عنه ابن معين وزائدة وابن حبان إنه كذّاب.

بعد هذا كله الذي نقلته لكم أيها الأعزاء، هل يجوز أن يقوم مذيع في مدرسته للمشاغبين، ويقرأ فصولاً من كتاب تاريخ الطبري من غير تحقيقٍ ولا تمييز للروايات الصحيحة والمكذوبة على الناس من خلال الفضائيات، ويخصص حلقات لكل كذبٍ مفترى على الصحابة والتابعين في هذا الشهر الكريم؟!

Email