هل الأنساب علم لا ينفع وجهالة لا تضر؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

هذا سؤالٌ قد لا يطرحه منْ أولع بجمع الأنساب وتدوينها وقد أضاع سني حياته في البحث عنها كأنّها العلم الأول والأخير لديه، فهو لا يعرف غيرها ولا يريد أن يشغل نفسه بسواها من العلوم التي تفيد الإنسانية وترفع مستوى المعرفة في المجتمع، وليت شعري ماذا استفاد هؤلاء من هذا الكم الهائل الذي جمعوه؟

وهل قاموا بإبعاد الناس عن ما حرّم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من التفاخر والتكبر والطعن في أنساب الملأ، أم نهوا من يحاول تشويه الحقائق بالكذب والتضليل واختراع القصص والأشعار المزورة على ألسنة قوم لم يُعرف أنهم قالوا الشعر من أصله.

علم الأنساب من العلوم التي كان يحفظها العرب قبل الإسلام، وفي الإسلام عُرف به سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه فقد كانت معرفته به كبيرة، ولهذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم شاعره الصحابي حسان بن ثابت رضي الله عنه أن يأخذ من أبي بكر أنساب قريش عندما قال له: »كيف تهجوهم وأنا منهم؟ فقال حسان: يا رسول الله، لأسُلَّنك منهم كما تُسلُّ الشعرة من العجين، فقال له: ائت أبا بكر فإنه أعلم بأنساب القوم منك«.

فكان يمضي إلى أبي بكر رضي الله عنه ليوقفه على أنسابهم، ويقول له: كف عن فلان وفلانة، واذكر فلانا وفلانة.. فجعل يهجوهم. ومثل أبي بكر في معرفة النسب جُبير بن مطعم وعبد الله بن عباس وعقيل بن أبي طالب رضي الله عنهم، نقول هذا أيها الأعزاء ولكنا نضيف أنهم لم يشغلهم هذا العلم عن معرفة الشريعة ونفع أمتهم بأعمالهم الجليلة وعلومهم النافعة، ولم ينشغلوا بالطعن في أنساب المسلمين والتفاخر عليهم، كما نشاهد عند بعض من لا خلاق له والعياذ بالله.

وقد أخرج الإمام أحمد بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: »تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم«، وهذا أمر صريح منه عليه الصلاة والسلام، ولكن نتعلم أنسابنا القريبة وليست البعيدة التي يبحث عنها عبثاً صباح مساء هؤلاء الذين يدعون علم الأنساب.

والمتأمل في هذا الأمر يعلم أنّ كل البشر من والد ووالدة واحدة، فهم جميعاً من أصل واحد ولكننا غير مطالبين بصلة البشر جميعاً، وإنما نصل فقط أقاربنا وليس كل من نجتمع معه في الجدود الأوائل، وإلا لكان إثم قطيعة الرحم سيطال المسلمين كلهم لأنهم لو أُعطوا أعماراً إلى عُمُرهم فلن يستطيعوا صلة من يجتمع معهم في عمود نسبهم، وعلى هذا القياس نقول: إنّنا نتعلم من أنسابنا ما ييسر لنا صلة أقاربنا الأدنين، لا كما يزينه بعض الجهال في تكبير شجرة العائلة حتى تصل إلى حدٍّ لا يمكن للمسلم أن يقوم بأداء واجب الصلة الواجب عليه أن يصلها.

أما الحديث الذي نتكلم عنه في هذه المقالة والذي روي عن رسول الله: »أنه مرّ برجلٍ والناس مجتمعون عليه فقال: ما هذا؟ فقالوا: علاّمة، فقال: بماذا؟ فقالوا: في الشعر والأنساب وأيام العرب، فقال: هذا علم لا ينفع وجهالة لا تضر«، فهذا خبر مرسل ولم يصحح إسناده أحد، ولكنه شاع في المؤلفات جداً وإذا قبلناه فإننا نحمله على ما ذكرت لكم في أول المقال، وهو أن العلم الذي يبالغ فيه الباحثون عنه مثل الشعر والنسب فإنه لا يفيدنا شيئاً في حياتنا، والواجب علينا أن نشتغل بما يفيدنا من علوم القرآن والحديث والفقه واللغة العربية والعلوم العصرية، التي نواصل بها البناء وتستمر حضارتنا وتعظم على مر الأيام، ولنتعلم أنسابنا التي تعين على الصلة والبر.

Email