في الحديث عن الكذب وآفاته على المجتمعات ما يكفي لكي نسطّر كثيراً من المقالات، ولكنّ ما نتحدث عنه اليوم يزيد خطورةً عن الكذب نفسه، لأنه يؤصّل نسباً لا وجود له، أو يؤكد خبراً لا صحّة له، أو ينفي أمراً علمه الناس عن أجدادهم وصار بمثابة المتواتر لديهم، وهذه هي الطامات الكبرى التي سهّلت تكاثرها بين العامة التقنياتُ الحديثة؛ من الشبكات الرقمية وقنوات التواصل الاجتماعي والمجلات والصحُف وكثرة مؤسسات الطباعة والنشر بغير رقيبٍ، وإذا تمّ منع مؤلفٍ في دولةٍ قام الناشر بطبعه في دولةٍ أخرى ليروج هرطقاته وأباطيله، ولا يقوم أحد بمحاسبة هؤلاء الكذابين الذين مردوا على الكذب والعياذ بالله.

ومما يزيد الأمر تعقيداً وسوءاً، أنّ هؤلاء يجدون قوماً من شيعتهم يناصرونهم على الباطل ويفترون على كل من يقوم بتخطئتهم، بكتابة المقالات الطويلة ونشرها في الفضاء الرقمي بأسماء وهمية، وقد تتبعت بعضها ووجدت الكاتب منهم ينشر الموضوع في موقعٍ ما للنقاشات العامة، ثم يعود ويدخل بأسماء أخرى في نفس الموضوع ليؤكد كلامه ويمدح موضوعه المفترى أو يزيد عليه حتى يظن القارئ العامي الذي لا يعرف المكر والكيد، أنّ موضوع النقد هذا حقيقة بسبب كثرة الردود، فتتنشر المعلومات الكاذبة بهذه الطريقة، ولديّ أدلة على بعضهم من حيث تتبع المعرّف الشخصي لهم، وأسأل الله لهم الهداية والبعد عن البهتان.

والشعر المنحول المكذوب على كبار الأمراء والشيوخ القدامى والفرسان أو المجهولين، من هذا الباب ذاته، فهم يفعلون نفس الفعل الخبيث لترويجه، ولا يبالون حتى يصلوا إلى مرادهم من إثبات كذبهم أو التشويش على العامة بخرافاتهم، وإنه لخطرٌ كبيرٌ على تاريخنا إذا بقي هؤلاء ينشرون الأباطيل ولا تقوم الجهات المسؤولة بالتدخل لإنقاذ شعوب المنطقة من أفعالهم الشنيعة، وكما قال الأول محذراً من الكذب وأهله:

إياكَ منْ كذبِ الكذوبِ وإفكهِ

            فلرُبّما مزَج اليقينَ بشكّهِ

ولرُبما كذبَ امرؤٌ بكلامهِ

          وبصمتهِ وبكائهِ وبضحكهِ

من أمثلة القصيد المنحول قصيدة تنسب »لابن ذيخ« من فرع الزكور من قبيلة سبيع، القبيلة العامرية المشهورة، وذكروا أنه من فرسان القرن العاشر الهجري وجاء في مطلعها:

يقول ابن ذيخ وابن ذيخٍ حجابها

           وحجاها جليلٍ هايلٍ ودقاقْ

عريبٍ من الغلبا سبيع بن عامر

          تعلى شناخيب الطوال وواقْ

بحور الندى حرز الديار من العدا

         ليا صاح صيّاح النهار وضاقْ

 

وقد جاء في هذه القصيدة كثير من أسماء القبائل ومنها قبيلة »بني ياس بن عامر« وهي قبيلة عامرية، ولكنّ القصيدة أولها محفوظ عند الرواة فقط، وقد سألت عنها كثيراً فقالوا لي إنّ باقي الأبيات بيّنة الحداثة والصنع ولا علاقة لها بمطلعها، وقد قام واضعها ومخترعها بنشرها في الإنترنت حتى ظُن أنّها حقيقة وهي افتراء، ومثلها قصائد تنسب للشيخ بطي بن سهيل الذي مات في شبابه من قرابة مائة وتسعين سنة، وهو والد الشيخ مكتوم الأول مؤسس إمارة دبي رحمهم الله.