احذروا من الأشعار المكذوبة لتشويه الحقيقة 1-2

ت + ت - الحجم الطبيعي

شاعت في الفترة الأخيرة قصائد لم نسمع بها عند أهلنا الأولين، ولم نجدها في كتابٍ مخطوطٍ ولا مطبوعٍ، ولا أعلم كيف وُجدت، ولكني أعلم لماذا كُتبت على ألسنة شخصياتٍ قديمةٍ من بلادنا والجزيرة العربية، وقاموا بترويجها عن طريق شبكات الإنترنت بكتاباتٍ مطولةٍ بأسماء وهميةٍ يتم جمعها بعد ذلك في كتُبٍ مطبوعةٍ فيها من الضعف العلمي والكذب والافتراء ما فيها، لأجل تسويق أفكارهم الهدامة ومعلوماتهم المغلوطة وأكاذيبهم في الأخبار والأنساب، وإنّها لا تخفى على أهل العلم والحق، ولكنها قد تنطلي على العامة من غير أهل الاختصاص، وهذه هي المصيبة الكبرى التي نواجهها ونحذّر منها.

يقول الله عزّ وجلّ في محكم تنزيله: (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ )، هذا هو الفرق بين الحق والباطل وبين ما ينفع الناس وما لا ينفعهم، وهذه قاعدة مطردة في كل شيء، لأنّ النافع سيبقى والذي لا فائدة فيه سيذهب مفرقاً ممزقاً، وكذلك ما يتمُّ جمعه وكتابته من العلوم والأبحاث، فما كان نافعاً منها سيبقى خالداً، وما كان كذباً وتلفيقاً أو ضعيفاً هزيلاً سينتهي سريعاً ويرمى في »النفايات« العلمية، وسيقال حنيئذٍ: لقد كانت خسارة في الوقت والأوراق وقت البحث والجمع، وأوراق الطباعة لهذا الزبد الذي لا فائدة منه.

هؤلاء الكذّابون الذين ينسبون الأشعار لكبار الأعيان من الشيوخ والفرسان، لا يخافون من الله، ولا من تحذير رسول الله الذي يقول: »ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا«، فيقومون باختراع الشعر ونسبته لقوم لا يُعرف عنهم أنهم كتبوا شعراً، أو يأتون لقصيدةٍ ثابتةٍ تتكون من بيتين أو ثلاثة فيزيدون عليها أربعين بيتاً أو أكثر لإثبات أكاذيبهم ودعاواهم في خبرٍ ما أو نسبٍ مزعومٍ، أو يأتون بقصيدة قديمة ويحرفون فيها على ما تشتهي أنفسهم من غير أن يفكروا في عاقبة الكذب والتضليل لعباد الله، وما جاء في التحذير من كذب الرجل ليضحك الناس.

حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: »ويلٌ للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم، ويلٌ له ثم ويلٌ له«، فكيف بمن يضلهم ويغيّر أنسابهم بأكاذيبه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

هذا وانتحال الأشعار ليس عملاً جديداً على المسلمين، فإنهم منذ العصور الأولى وهناك من يلفق الشعر على الناس، فكذبوا على الإمام الشافعي ومالك وغيرهما وعلى التابعين، وعلى كبار الصحابة رضوان الله عليهم، كأبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم، ولم يسلم منهم والدنا »آدم« عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، فقد نسبوا له قوله عندما اقتتل ابناه:

تغيّرتِ البلادُ ومن عليها         فوجهُ الأرض مغبرٌّ قبيحُ

تغيّر كل ذي لونٍ وطعمٍ          وبالفردوس ضاق بك الفسيحُ

بكت عيني وحُقّ لها بكاها         وجفني بعد أحبابي قريحُ

ومما زاد الطين بِلّة أنهم كذبوا على إبليس الرجيم ونسبوا له شعراً أيضاً، فيقولون إنّ إبليس قال عندما سمع »آدم« يقول الأبيات الآنفة:

تنوحُ على البلادِ ومن عليها            وبالفردوس ضاق بك الفسيحُ

وكنت به وعرسك في نعيمٍ             من الدنيا وقلبك مستريحُ

 

وأقول: إذا لم يسلم أبو البشر من كذب الكذّابين، ولا الصحابة وكبار الأئمة، فما بالكم بمن دونهم من الناس.. وللمقالة بقية.

Email