يظن بعض الجُهّال المجنّدين من جهاتٍ معروفةٍ لنا، أنّهم بنبزهم دولتنا الحبيبة بمسمى »ساحل عمان« أو »عمان« بأنهم يوجهون لنا سُبّةً وذاماً، ولم يجل في فكرهم الذي يعيش فيه التخلّف والحقد، أنّ اسم »عمان« يحمل التاريخ العريق والأخبار الطوال من الأمجاد، وأكبر من هذا كله ثناء النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم على أرض »عمان« وأهلها، فقد أخرج الإمام أحمد في مسنده بسند صحيح عن أبي لبيد: قال خرج رجل بطاحية مهاجرا يقال له: بيرح بن أسد فقدم المدين ة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بأيام، فرآه عمر رضي الله عنه فعلم أنه غريب فقال له: ممن أنت؟ قال: من أهل عمان.
قال: نعم فأخذ بيده فأدخله على أبي بكر رضي الله عنه فقال: هذا من أهل الأرض التي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عنها: »إنّي لأعلم أرضاً يقال لها عمان ينضح بناحيتها البحر بها حيٌّ من العرب لو أتاهم ما رموه بسهمٍ ولا حجر«. وجاء في صحيح مسلم أن رسول الله بعث رجلا إلى حيٍّ من أحياء العرب فسبّوه وضربوه فجاء إليه وأخبره، فقال له رسول الله: »لَوْ أَنَّ أَهْلَ عُمَانَ أَتَيْتَ مَا سَبُّوكَ وَلَا ضَرَبُوك«، وهناك أحاديث أخرى في فضائل أهل عمان.
فأي فضلٍ نال أهل هذه المنطقة وأي شرف بلغوه بمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم، وفرح صحابة رسول الله بلقائهم كما حدث مع أفضل الأمة بعد رسول الله أبي بكر وعمر. وتذكرني قصة من يعيّر هذه المنطقة بساحل عمان بقصة عبد الله بن الزبير عندما عيّره بعض الجاهلين فقال له: يا ابن ذات النطاقين، يعني أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها وعن أبيها، فضحك ابن الزبير وتمثل بقول أبي ذؤيب الهذلي:
وعيّرها الواشون أنّي أحبّها
وتلك شكاةٌ نازحٌ عنك عارُها
فإنْ أعتذرْ منها فإنّي مكذّب ٌ
وإن تعتذر يردد عليك اعتذارُها
يريد ابن الزبير أن يقول للمعيّر أنّ ما عيّره به هو مدحٌ بليغ وليس ذمّا كما ظنّ، لأنّ أسماء رضي الله عنها سمّيت بذات النطاقين عندما لم تجد إلا نطاقها فشقته لرسول الله أثناء تجهزه للهجرة فجعلته لسفرة زاده وسقائه، وأنا أيضا أتمثل بهذا البيت وأضحك من هؤلاء الجهّال الذين لا يفرقون بين قبيلٍ ولا دبيرٍ، وليس لهم كبيرٌ يردعهم عن سفاهتم في هذا الشهر الكريم الطيب ولا من قبله ولا من بعده، لأنّهم رضوا بأن يكونوا من الضالين بجهلٍ ولم يعرفوا حقاً لأهلهم ولا إلاًّ والعياذ بالله.
عمان وساحلها من أي مكان اتهجت إليه، من مسقط إلى جلفار (رأس الخيمة) إلى بينونة إلى البدع (الدوحة) قديماً، وقد أدخل بعض المؤرخين فيها جزيرة البحرين أيضا، هي كلها أرض للبطولات ورجال البأس والفروسية والكرم والحلم والحكمة والطيبة، ولم يكن أهلها يوما إلا أهل اجتهاد في الخير وفيما ينفعهم وأهليهم، ولم يُعرفوا بالصفات الذميمة ولا الفحش والسب في المنطق في تاريخهم القديم والحديث، ولدينا حديث الصادق المصدوق عنهم وكتب التاريخ شاهدة على ما أقول، وما نشاهده اليوم بأعيننا وليس الخبر كالعيان كما يُقال، ولا يقول غير ذلك إلا قلبٌ حاقدٌ حاسدٌ لن يصدقه إلا قلبٌ من أمثاله. وللمقالة بقية..