لا أعلم متى بدأت معاجم الألفاظ المحلية في الظهور بين أرفف الكتب؟، ولكنني أجزم بأنها لم تخرج إلا في عصر متأخر جداً من عهد المؤلفات الكبرى في مفردات اللغة العربية، حيث كان الاهتمام لا يتعداها إلى لهجة محلية أو لغةٍ أخرى، لأنّ الفصحى لغة الكتاب العزيز، ولغة مجدنا وتاريخنا العريق، ولا يمكن أبداً أن يغفل عنها العرب والمسلمون لحظةً، وإنْ أراد ذلك الأعداء؛ أعداء العروبة والإسلام، لأنّ العربية من نور الإسلام، ولن تنطفئ أنوارها حتى تزول آخر راية من رايات الإسلام، وهذا محالٌ إلى قيام الساعة.

الاهتمام بالعامية لا يمثل خطراً على اللغة العربية الفصحى، ولن تستطيع العامية أن تحل محلها، ولو حاول بعضهم أن يفعل ذلك، فمنذ عقودٍ طويلةٍ وهناك دعوات إلى إحلال العامية محل الفصحى، ولكنّ كل محاولةٍ من هذه المحاولات كانت ترجع خاسرةً أمام دفاع الغيارى على لغتهم الأم، فقام بعض هؤلاء المندسين بيننا وقلوبهم تتميز غيظاً علينا، بتزيين طباعة المعاجم في اللهجات المصرية والسودانية والمغربية والشامية والخليجية، ليتم تأصيلها أولًا، ثم يمهد هذا التأصيل للمرحلة الثانية من إحلالها محل اللغة الفصيحة العريقة، وهم كما قال الشاعر:

خفافيشُ أعياها النهارُ بضوئهِ

                          ووافقها قطعٌ منَ الليلِ مظلمُ

ولكن هيهات هيهات لما يخططون، فقد انقلب السحر على الساحر، وصيد الصائد بحِبالته (شبكته)، وخرج كبار علماء اللغة فأرجعوا العامي إلى أصله الفصيح، كي يبينوا للناس أن طريق الفصاحة ممهد لهم إذا أرادوها، باستخدام لهجتهم المحلية، لأنها بنت الرمال، وبنت لغتنا الأم العربية.

وخلال تتبعي لمجموعة من المعاجم التي ألفت بغرض إعادة العامية إلى أصلها العربي، وكان من أهمها معجم الألفاظ العامية للعلامة المصري أحمد تيمور (1871-1930)، وغيرها من المؤلفات التي أصدرها كبار علماء اللغة، وجدت في نفسي بسببها بهجةً وفرحةً لأن كثيراً من مفردات لهجتنا يعود إلى الفصحى، ليس في الخليج العربي فقط، بل في جميع الدول العربية، ونضيف إليها لغة جزيرة (مالطا) العجيبة، لأن معجم مفرداتها كثير منه من العربية، كما بيّن ذلك العالم أحمد فارس الشدياق (1804-1887) الذي بقي مدرساً فيها 14 سنة.

وإذا عرفنا جهود هؤلاء العلماء في تأصيل العامية وإرجاعها للفصيح، ومع تقديري لكل المعاجم المحلية التي صدرت في دولة الإمارات ومحاولة جمعها وشرحها ورد بعضها إلى الفصحى أو إلى لغات أخرى كالفارسية والهندية والإنجليزية والفرنسية والتركية والبرتغالية، فإنّي أرى أنّها جهود ضعيفة جداً، وقد حملت مع ضعفها أخطاءً كثيرةً لم يتم حتى الآن تصحيحها من قبل واضعيها، ولم تقم أية جهة أكاديمية محلية معتمدة بجمع ما تستطيع جمعه قبل رحيل آخر جيل ممن يعرف رمستنا (لهجتنا)، ثم تقوم بتكليف علماء لُغويين يعرفون مجاهل عاميتنا ويستطيعون تأصيلها حسب قواعد العربية المعروفة، هذا وسأقوم بتبيين صورة القوة والضعف في هذه المعاجم خلال المقالات المقبلة إن شاء الله.