أحدّثهم عن تاريخنا ويحدثوني عن الأنساب!

ت + ت - الحجم الطبيعي

كلما حدّثت بعض الإخوة عن منجزات دولتنا الحبيبة وأهمية توثيقها بشكلٍ تفصيلي، لكي تكون مناراتٍ للسائرين منْ خلفنا منَ الأجيال القادمة، وتكون حافزاً لهم ليستمروا في البناء وليكملوا ما بدأه المؤسسون ومن جاء من بعدهم، أجدهم يتململون ويغيّرون الموضوع ويحدثوني عن الأنساب والحمض النووي (DNA).

ويقولون: هل علمتَ؟ فأقول: علمتُ ماذا؟ إنّ فلانا ظهر تحليله واكتشفنا بعد الاختبار أنّه ليس من هذه القبيلة، بل نزيدك علماً؟

فأقول: زيدوني من هذه العجائب! فيقولون: إنّ لفلانٍ عرقاً ليس بعربي، وهو يظن نفسه المسكين أنه من العرب الأقحاح، ويبتسمون، بل بعضهم يأخذها حجة في قضايا الطعن في الأنساب، فيخرجون على هوى أنفسهم أقواماً، ويدخلون آخرين حسباً.

وكأنّهم علموا الغيب والتاريخ البعيد الذي مرّت عليه مئات السنين بل الآلاف، وإنّي والله قد سئمتهم، خاصةً وأنّي أعرف بعضهم لا يزور أخاه من أمه وأبيه، فكيف يبحث عن أنساب بعيدة تقطّعت منذ زمن بعيد! ألم يعلم هؤلاء بأنّ العالم لا يهتم بأنسابنا ولا بأحسابنا وأسماء عائلاتنا، إنما يحترم ويقدر من قدّم للعالم شيئاً مقدّراً مفيداً يفيد البشرية ويزيد في حضارتها.

وهب أنك أيها الباحث عن أنسابك والأحماض النووية لعشيرتك، وجدتَ ضالّتك وأكملتَ شجرة العائلة كلّها، أخبرني كم ستصل منهم، وقد أقمت الحجة عليك بمعرفتك؟ ألم تعلم أو تسمع بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "احفظوا أنسابكم تصلوا أرحامكم، فإنّه لا بُعد بالرحم إذا قرُبت وإن كانت بعيدةً.

ولا قرب بها إذا بعدت وإن كانت قريبةً، وكل رحمٍ آتيةٌ يوم القيامة أمام صاحبها تشهد له بصلةٍ إن كان وصلها، وعليه بقطيعةٍ إن كان قطعها"، فماذا ستفعل أيها الجامع لأنسابك؟ هل تستطيع تنفيذ أمر رسول الله وتصل جميع أقاربك الذين عرفتهم، وإن بلغوا الآلاف؟

وهل تريدني أيضاً أن أحدثك بأمرٍ لم يعد سرّاً؟ لقد بلغت قطيعة الأرحام القريبة نسبةً عاليةً في هذا الزمن، فما أنت قائل وقد علمتَ ولم تصل ولم تعمل بأمر رسولنا الهادي عليه أفضل الصلاة والسلام.

وأقول لك ولكل من هو من أمثالك: إنّكم تبحثون عن علم الأنساب واختبارات الحمض النووي لتأكيد ما ليس بمؤكدٍ، وتسبحون في محيطات مظلمة من أجلها حتى تتمكنوا من معرفتها، ها أنتم أولاء عرفتموها لماذا لا تصلونها؟!

أليس الأجدر بنا أن نتعلم أنسابنا القريبة ونحافظ عليها لنأخذ أجر الصلة والقربى، ونجتهد إن كنّا من محبي البحوث التاريخية في تقييد أخبار دولتنا وتوثيق منجزاتها فهو خير كله، لأنّه وجب علينا أن نوثق منجزاتنا وحضارتنا العالمية ونعلّمها للأجيال، ولا مانع من تعلم النسب الذي نصل به أقاربنا، وإلا كان حسرة ووبالاً علينا.

هذا، وإنّ أكثر ما يقلقني في هذا الموضوع، أنّ هؤلاء شغلوا أنفسهم في أمور لا يصح أن يعطوها كل هذا الوقت من البحث، وقد رأيت بعضهم مهتمين في البحث عن مواضيع تاريخية مهمة، ثم انصرفوا عنها لجمع الأنساب، ودخلوا في معارك طاحنة لم يستفيدوا منها، وكان الأفضل لهم وهم بهذه العزيمة القوية أن ينفقوها في مصلحة وطننا الغالي.

لكي نقيّد تقدّمه وتطوره، لا أن يبلغ الأمر في بعض الحالات أن يطعن هؤلاء في أنساب بعض الأسر، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب والنياحة على الميت" رواه مسلم، وهذا وعيدٌ مخيفٌ من رسولنا الأمين، وقد قال ابن تمّام الدمشقي في تفسير قوله الطعن في الأنساب: "أي القدح من بعض الناس في نسب بعضٍ بغير علم".

وللمقالة بقية..

Email