كل يوم يثبت لنا الشعب المصري العظيم أنه يستحق هذه العظمة ويستأهل منّا كل التقدير والمحبة والتبجيل، لأنّهم مدد العروبة وسندها وعزّها منذ قديم الزمن، ولا يزالون وسيستمرون على هذا النهج القديم لن يحيدوا عنه، وإن حادوا لأيّ سببٍ كان فإنّهم يعودون ويصحّحون مسارهم سريعاً، كما فعلوا في يوم ثلاثين يناير الماضي عندما قلبوا ظهر المجن (الدرع) لعصابة الإخوان (المتأسلمين) وعادوهم.
وقد كادوا ينجحون في تخريب "مصر" فتتحول خراباً يباباً (لا ماء فيها) لخدمة أعداء المصريين من بعد تلقيهم أموالاً طائلة من أعداء العروبة ومن الماكرين الحاقدين، لا لشيء إلا لتعزيز أمن إسرائيل وإضعاف جميع القوى العربية المجاورة، فبدأوا في العراق ثم سوريا ثم مكروا بـ"مصر" حتى تمسي كشقيقاتها مدمرةً ممزقةً، ولكنّ الله سلّم وحفظها من كيد الأعداء الإخوان الذين لا ولاء لهم إلا لجيوبهم ومصالحهم الخاصة.
عندما رأت أميركا أن لا مناص من تقبّل إدارتها لاختيار الشعب المصري الحر وأُسقط في يدها (ندمت وعجزت)، بعد تعاونها الغريب والمشبوه مع العصابة المشؤومة التي أذاقت البلاد المصرية أنواع الشقاق والفتن في سنةٍ واحدةٍ من حكم "مرسي"، ثم سعيها لإرهاب وتخريب الممتلكات بشكل غير مبرر ولا يقبله دين على وجه الأرض ولا عقل، فكيف يقبله دين الرحمة والحكمة والسلام الإسلام؟!
عندما رأت الإدارة الأميركية هذا كله وحسبت ربحها وخسارتها، أمرت وزير خارجيتها جون كيري ليصرح بعد إعلان نتائج التصويت على الدستور وإقراره فقال: "إنّ تجربة مصر المضطربة في ديمقراطية المشاركة خلال السنوات الثلاث الماضية، ذكّرتنا جميعا أنّ الديمقراطية لا يحددها اقتراع واحد، وإنما كل الخطوات اللاحقة".
وهذا اعتراف ضمني منه بشرعية ما قامت به المؤسسة العسكرية لإنقاذ "مصر" من الفوضى التي كان يخطط لها من بعض الدول المعادية، وكذلك فيه تأكيد أنّ الديمقراطية لا يمكن أن تنفذ في أوضاع مضطربة، وأنها تحتاج لخطوات تتبعها لتثبت في قلوب الناس.
كذلك لم يكتف كيري بما قاله بل أضاف: "الحكومة الانتقالية أعلنت مراراً التزامها بعملية انتقالية توسع الحريات الديمقراطية وتؤدي إلى (تشكيل) حكومة شاملة بقيادة مدنية من خلال انتخابات نزيهة.
الآن حان الوقت لتحويل هذه الالتزامات إلى واقع، وأدعو إلى التطبيق الكامل للحقوق والحريات المكفولة في الدستور الجديد".
ومن قراءتي لكلامه الأخير أظنه يقصد به الاستفزاز لا غير، لأنّ الدستور الجديد ينصُّ على ما صرّح به فلماذا يكرره ويعيده إلا ليشعر الناس أنّ الحكومة المصرية تحدّ من الحريات، وهو تأييد ضمني للإخوان بلا شك، وكما يُقال: "لأمرٍ ما جدع قصير أنفه"، وأنا أقول: إن الأمريكان يعلمون أنّ الحريات غير مقيدة في "مصر" إلا على الإخوان المخربين الذين يعيثون في الأرض فسادا.
، فكأنّ كيري جدع أنفه بتأييد اختيار الشعب المصري للدستور الجديد، ولكنه في نفس الوقت يمهّد لفتنة أخرى بدفاعه عن الحريات، والتي لا تعني في قاموسه إلا حريات الإخوان الذين كانوا شركاء للأمريكان في خططهم الجهنمية.
ومع كل هذا فإنّ "نعم" للدستور قالها أكثر من 98% من المصريين في استفتاء منقطع النظير منذ الراحل جمال عبدالناصر، وهم في نفس الوقت قالوا بنفس النسبة لعصابات الإخوان (المتأسلمين) تعساً لكم تعساً لقد خدعتمونا، واليوم لا مكان لكم ولا مفر منّا بعد كل الجرائم التي ارتكبت باسم الإسلام والإسلام بريء منكم..
هذا وأختم المقالة بتغريدةٍ أعجبتني للأستاذ سامي البشير المرشد، حيث قال: "النسبة الأعلى في التصويت في تاريخ مصر على استفتاء الدستور، تعني بكل بساطة أنّ المصريين يريدون العيش الكريم بسلام وينبذون التطرف بكل أشكاله"، وهم كذلك.