نعم للعلماء المصلحين.. لا لدعاة الفتنة 2-2

ت + ت - الحجم الطبيعي

سألت أحد العلماء الذين درست عندهم العلم: من هو الفقيه؟ قال لي: الفقيه من يُيَسر على الناس أمور حياتهم ولا يتشددُ فيما فيه سعة وفيه نصوص شرعية تجيزه، وفي نفس الوقت يشدد هذا الفقيه على نفسه بسبب تقواه وورعه وخوفه من الله، فقلتُ له: وإذا وجدتُ من يسمي نفسه الفقيه ولكنه يشدد على الناس وييسر على نفسه ويأخذ بالرُخَص ولا يبالي؟ قال: هذا مفتون فابتعد عنه، قلتُ: رأيتُ بعض من يسمّون بالدعاة يتجرؤون على العلماء الفقهاء ويسمونهم علماء الحيض والنفاس لأنهم لا يعرفون «فقه الواقع»؟ قال: لم يأت «فقه الواقع» إلا من جهل هؤلاء الدعاة الذين يدعون الناس إلى السياسة والخوض فيما لا يعنيهم لأنّهم لا يملكون أدوات العلم الشرعي الحقيقي ولم يتعلموا إلا من الكتب وليس لديهم شيوخ كبار، فينصرفون عن حقيقة العلم إلى هذه السفاهات التي تثير العامة وتجذبهم إليهم فيروّجون بضاعتهم المغشوشة بمثلها، ويصدق عليهم قول الأول:

ومنزلة الفقيهِ من السفيهِ

                               كمنزلة السفيه من الفقيهِ

 فهذا زاهد في قربِ هذا

                               وهذا منه أزهدُ منه فيهِ

يا جمال يا بني هؤلاء سفهاء وعليك بدراسة العلم ومدارسته عند العلماء المحققين إذا أردت الخير، وابتعد عن هؤلاء فهم الخطباء الذين ذكرهم ابن مسعود رضي الله عنه، وليسوا علماء، وقد فتنوا عوام الناس بلسانهم العذب وأشكالهم وليسوا بشيء.

قلتُ: سبحان الله.. هؤلاء هم الذين ينفرون الناس عن العلم والعلماء ويشغلونهم بالفتن والخصام والتناحر ويجذبون المصائب إلى كل دولةٍ أو مدينةٍ أو قريةٍ أو حيٍّ أو مسجدٍ يكونون فيه، والمصيبة العظمى أنّ القنوات العربية كثيرة وكلما مُنعوا من قناةٍ دخلوا أخرى أو فتحوا قناة خاصة بهم بتمويل من أتباعهم الهائمين في حبهم الذين يصمون آذانهم عن الحق والصواب، إلا من كلام هؤلاء مثيري الفتن والنوائب أعاذنا الله.

ومن جميل كلام الشيخ عبدالسلام بن برجس، حفظه الله، يقول: «إنّ من يستحق أن يطلق عليه لفظ العالم في هذا الزمن، وأقولها بكل صراحة، قليل جداً، ولا نبالغ إن قلنا نادر، وذلك أنّ للعالم صفات قد لا ينطبق كثيرٌ منها على أكثر من ينتسب إلى العلم اليوم، فليس العالم من كان فصيحاً بليغاً في خطبه، بليغاً في محاضراته، ونحو ذلك، وليس العالم من ألّف كتاباً، أو نشر مؤلفاً، أو حقق مخطوطة أو أخرجها؛ لأن وزْن العالم بهذه الأمور فحسب هو المترسب - وللأسف - في كثير من أذهان العامة، وبذلك انخدع العامة بالكثير من الفصحاء والكتاب غير العلماء، فأصبحوا محل إعجابهم، فترى العامّي إذا أسمع المتعالم من هؤلاء يُجيش بتعالمه الكذّاب يضرب بيمينه على شماله تعجباً من علمه وطَرَبَه، بينما العالمون يضربون بأيمانهم على شمائلهم حُزناً وأسفاً لانفتاح قبح الفتنة، فالعالم حقاً من تَوَلَّعَ بالعلم الشرعي، وألَمَّ بمجمل أحكام الكتاب والسنة».

ما قاله الشيخ البرجس (رحمه الله)  تفسير لأثرٍ حسنٍ أخرجه البخاري في الأدب المفرد وهو قول ابن مسعود رضي الله عنه: «إنّكم في زمان كثير فقهاؤه قليل خطباؤه قليل سؤّاله كثير معطوه، العمل فيه قائد للهوى، وسيأتي من بعدكم زمان قليلٌ فقهاؤه كثير خطباؤه كثير سؤّاله قليلٌ معطوه، الهوى فيه قائد للعمل، اعلموا أنّ حسن الهدي في آخر الزمان خير من بعض العمل».

قلتُ: لعلّ هذا الزمن الذي ذكره ابن مسعود مرّ منذ قرون وتواصل إلى زمننا هذا، ولكن ماذا سيقول لو رأى من نرى اليوم من دعاة الفتن والفرقة بين الناس وهم يتصدرون القنوات والصحف والمجلات والمحاضرات، ليس لأنهم علماء بل لأنهم خطباء لهم مظهر جميل ويضحكون المشاهدين والحاضرين السذّج ويبكونهم ويحمّسونهم؟!..

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه آمين.

Email