وصف عمر بن الخطّاب رضي الله عنه (1-2)

ت + ت - الحجم الطبيعي

من غرائب البشر في هذا الزمان، الذي تحكمت فيه الآلة الإعلامية بشكلٍ مخيفٍ وفي شتى بقاع الأرض، أنهم لا يتكلمون عن أي أمر مفيدٍ أو غير مفيدٍ حتى يثار في الإعلام التلفزيوني، فتجد الناس في مجالسهم وبيوتهم وأيضا على صفحات الصحف والمجلات، تتحدث عن نفس الموضوع، حتى إذا تكلم الجهاز العجيب (التلفاز) عن موضوعٍ آخر انصرفوا إليه، وتركوا ما كانوا عليه لأيام أو لأشهر، وهذا هو ديدنهم لا يكعّون عنه ولا يرجعون إلا إذا تغير الأمر في المستقبل، وتم اكتشاف شيء جديدٍ يتغلب على تأثير الإعلام المرئي أو تنتهي الحضارة الحديثة من أصلها، ولا أظنّ أحد الأمرين قريبا.

"مسلسل عمر بن الخطاب" (رضي الله عنه) من الموضوعات التي أثير حولها كثير من اللغط والجدال، وصدرت فيه الفتاوى وكُتبت فيه المقالات الكثيرة والقصائد منذ السنة الماضية، فتكلمت عنه الخاصة والعامة والملوك والسوقة والعلماء وغيرهم، فلما جاء رمضان وبدأت القناة المنتجة ببثه على شاشتها، حمي وطيس الجدال واستعر لهيب آراء المتشددين من الأطراف كلها المانعين والمجيزين، ولم يخل مجلس ولا مسجد ولا محاضرة لأحد المشايخ إلا وتحدثوا عنه، كأنّ الأمر مصيبة عظمى ومن أولى أولويات المسلمين اليوم، في حين أنّ أهلنا في الشام يقتلون بدمٍ باردٍ في كل يوم، وهم أولى بالحديث وجعل أوقات فراغنا للدعاء لهم ونصرتهم بما يمكننا نصرهم به.

فعمر رضي الله عنه من المبشرين بالجنة، ويكفيه ثناء الرسول عليه الصلاة والسلام عليه، ولن يضره من ينتقص من فضله أو يذكره بغير الحق، لأن كلّ هذا لن يغير من الحقيقة شيئا، ولن يزيد "مسلسل عمر" من فضل عمر ولن ينقص من قدره، بل المنتجون سعوا لإنتاجه من أجل مصلحة قناتهم ولجني المال ليس إلا.

لا أريد أن أدخل معكم أعزائي القرّاء في متاهات الفتاوى ودهاليز النقاشات الدائرة حول هذا المسلسل، لأني لا أشاهده ولا أحثّ أحداً على متابعته، وإن سألني سائل عنه فسوف أقول له: اللهم إني صائم، اللهم إني أسألك اللطف بأهلنا في سوريا، ولن أزيد في موضوعٍ قد تداولته الألسن حتى كلّت منه، فإن سألني وقال: صف لي عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فسوف أسأله: أتسأل عن صفة خَلقه أم خُلُقه؟ فإن قال عن صفة خَلْقه وكيف وصفه من رآه؟ فسأجاوبه وأقول:

لعلّك قرأت ما يروّجه بعض من لا علم له عن صفته التي يصفونه بها من الدمامة والقبح، ويكذبون على علماء الإسلام ويذكرون روايات مكذوبة، بل ينسبونها إلى مراجع صحيحة من مثل طبقات ابن سعد وغيره، زورا وبهتانا، أو لعل صورة الممثل الذي يقوم بالدور في المسلسل، قد وجّه نظرك للسؤال عن ابن الخطاب وكيف هو؟ كما هي عادة البشر في حبهم لمعرفة ما غاب عنهم، وشوقهم للقاء الشخصيات العظيمة، وعلى أي حالٍ سأخبرك بصفته الخَلقية لعلك تجد فيها كفايتك.

وللحديث بقية غداً إن شاء الله..

Email