البحث عن قائل قصيدة «تعلّق قلبي طفلةً»

ت + ت - الحجم الطبيعي

لايزال صوت المغني الراحل طلال مدّاح يتردد في أذني، وهو يشدو بالقصيدة المشهورة عند الصغير والكبير والعالم والجاهل بل هم يحفظونها ويعجبهم إنشادها في أسمارهم، لأنها من أجمل الشعر وأعذبه لديهم، وينسبونها نسبةً مؤكدةً إلى أمير شعراء الجاهلية امرئ القيس الكندي والتي تقول في مطلعها:

تعلّق قلبي طفلةً عربيةً

                تنعّمُ في الديباج والحلي والحللْ

لها مقلةٌ لو أنها نظرت بها

                إلى راهبٍ قد صام لله وابتهلْ

لأصبح مفتوناً معنىً بحبها

              كأن لم يصمْ لله يوماً ولم يصلْ

 

إلى آخرها، وهي قصيدة غنائية ولا تعد من الشعر الجزل، ولكن استطاع أن يحولها صوت طلال العجيب وأداؤه المبهر إلى قصيدة من أجمل القصائد، ويتسابق المغنون على تقليد طلال فيها كما فعلت هيام يونس في تلك الأيام الخالية، فهل تصحُّ نسبتها إلى امرئ القيس كما هو شائع بين الناس؟ وهل هي سليمة اللغة والقواعد أم هي غير ذلك؟ وإذا لم يكن امرؤ القيس هو منشؤها فمن يكون إذن؟ هذه أسئلة سأحاول إجابتها بما تسمح لي مساحة المقالة.

- امرؤ القيس من فحول شعراء الجاهلية، ولم يكن ليصل إلى هذه الدرجة والشعر ملك اللسان العربي إلا لبلاغته وجزالة أشعاره وتفرده بين الشعراء في ذلك الزمن الذي يُحسب للشاعر فيه ألف حساب، وأي قبيلة يولد فيها شاعر فقد افتتحت قناة إعلامية لا تضاهى، فكيف إذا كان ابن ملك وملك عرف الحضارة .

كما عرف البداوة فهو يغرف من نهر متدفق لا يشبهه أي نهر من أنهار الشعراء ويكفيه فخرا أن معلقته اللامية تقدم على جميع المعلقات التي تفوق جميع الشعر العربي، فهل يظن أحد عرف الأدب وخبر شعر الجاهليين أن يسقط امرؤ القيس صاحب معلقة:

قفا نبكِ من ذكرى حبيبٍ ومنزلِ

                  بسقطِ اللوى بين الدخولِ فحوملِ

 

فيهوي من علٍ ويقول كما هو موجود في قصيدة "تعلق قلبي" المنسوبة له ظلماً:

ألا رب يوم قد لهوت بدلها

                 إذا ما أبوها ليلة غاب أو غفلْ

 

من منكم يصدّق أن شاعرا جاهليا سيقول إذا ما أبوها غاب أو غفل في ركاكة لفظٍ وفظاعة معنى، لا يقوله متوسطو الحال في الشعر الفصيح في زمننا هذا، فكيف في زمن اللسان جميع رأس ماله، والسنان حارسه!! وإذا قال أحدهم بأنها تجاري شعراء الجاهلية فسأقول له: أأهل الفصاحة والبلاغة يقولون :

ألا لا ألا إلا لآلئ لابثٍ

              ولا لا ألا إلا لآليء من رحلْ

فكم كم وكم كم ثم كم كم وكم وكمْ

              قطعت الفيافي والمهامه لم أملْ

 

وهذا شعر لا ينطق به شعراء الجن في القرن العشرين أحرى أن يكون من شعر أمير شعراء الجاهلية ألا تتفكرون؟ ومتى كان العرب الفصحاء يكررون الحروف ويستخدمون هذه الأساليب الضعيفة في الشعر إلا في زمن انحطاط الشعر في القرون المتأخرة. أما عن لغتها ففيها مفردات لا توجد في المعاجم العربية مثل قصيدة "صفير البلبل".

وكأن العامة تنطلي عليهم حيلة هؤلاء الجهال الذين يخترعون الشعر ويحاولون إلصاق الغث بكبار شعرائنا لترويج بضاعتهم أو لأمر آخر لا نعرفه، ويا أيها القارئ الكريم، أريدك أن تبحث في المعاجم من أولها إلى آخرها، وانظر إذا عرفت تفسير هذه الكلمات: الخيثوان، البلندد، شصنل، الصلندد وغيرها من المفردات التي لا أدري كيف اختارها هذا المفتري الجاهل باللغة العربية!!

وقد تتبعت القصيدة فلم أجد أحدا يشير إلى من هو مخترع هذه المصيبة (القصيدة) ولكنها قطعا ليست لإمرئ القيس، ولم تكتب إلا في القرون الهجرية المتأخرة، حيث شاع الجهل وضعفت العربية، وقل من ينتقد على مثل هذه المفتريات كما حصل لي وأنا صغير، حيث أنشدها أحد تجار الحجاز أمامي، وقال هذه لامرئ القيس فقلت له:

لو كانت لامرئ القيس فلن أحفظ بيتا من شعره، هذه لمخترع لا يعرف الشعر، فغضب مني وخرج من المجلس وقد ندمت على ما فعلت فهو أكبر مني ولكنه طيش الشباب كما نقول، ومع هذا يبقى صوت طلال مداح فهو لو غنّاها نثراً لكانت رائعة، رحمه الله.

Email