*قال لي الشاعر المرحوم حمد خليفة بوشهاب ذات ليلةٍ، وكنت أمشي معه قريبا من منزله في منطقة الحمرية بدبي، وهو متعود على المشي مساءً حين تهدأ الأجواء ويصفو الهواء، وفي قصده ألا ينام بعد طعام العشاء وإن كان خفيفا لأنه يضر بالصحة، قال: هل تعلم يا جمال بأننا أكثر حظاً منكم في لهجتنا؟ فقد تعلّمنا كلّ مفردةٍ من كلامنا من أمرٍ رأيناه وسمعناه من أفواه الناس صحيحاً من غير تحريفٍ ولا ضعفٍ، أما أنتم فجيلكم لم يدرك هذا كله وإنما أدرك ما بقي منه ولم يبق منه إلا القليل. قلتُ: هكذا نظر إلى جيلنا بوشهاب ونحن أدركنا قدراً لا بأس به من الكلام، فكيف نظر إلى الجيل الحالي الذي لا يميز بين الحنين والرغا كما نقول في أمثالنا!!

الأذن المصحِّحة

*ذات مرّةٍ مررتُ على الشيخ محمد بن الشيخ مجرن المري، حفظه الله، وعنده بعض الشباب من أقاربه فإذا به يصحح بصوتٍ مسموعٍ مرّة أو بتحريك شفته مرّة أخرى كلما أخطأوا في كلامهم، حتى ظننتُ أنه سئم من كثرة أخطائهم في طريقة لفظ المفردة أو استخدامها في غير محلها أو غير ذلك، وقد أصابني العجب لأنّ هذه المفردات صارت أُذُني لا تنكرها كما تنكرها أذنه التي لم تتعود إلا على اللفظ الصحيح، وهذا هو الفارق بين جيلنا والأجيال التي سبقتنا ممن هم على قيد الحياة، حفظهم الله تعالى، فقد تعودت آذاننا على النطق غير الصحيح وإن نطقنا المفردة صواباً وهنا مكمن الخطر، حيث لن نستطيع التصحيح وستستمر لهجتنا في التلاشي أمام مدافع الإنجليزية ونسيان أهلها لها، ولهذا لا تتغاضوا عن التصحيح أيها الأوفياء كلما سمعتم خطأ في نطقٍ أو أسلوبٍ أو فهمٍ من أبنائكم أو أصحابكم .

موت اللهجة السريع

مات كثير من الجيل الماضي، وكلما اختفت طبقةٌ منهم اختفى جزء من معجمنا، وانظروا إلى من بقي منهم فهذا هو المتبقي من المعجم الصحيح، وسوف يتلاشى كما ذكرت قريباً إذا لم نتداركه بعزمٍ وتصميمٍ وتصحيحٍ ولا يغرنكم ما خرج من معاجم حتى الآن، ففيها أخطاء كثيرة ولم تسجل أيضاً إلا قليلا جداً من مفرداتنا.

شرح الدواوين النبطية

خرجت كثير من الدواوين الشعرية خلال العقود الماضية بعضها بشرح شعراء علماء في لهجتنا مثل حمد بوشهاب، وهي موثّقة وخرج بعضها دون ذلك، ولكنّ الأغلب كان من إخوةٍ لنا من خارج الدولة اجتهدوا في إخراجها ولكنّهم وقعوا في شرَكِ اللهجة وبلاغتها التي لا يعرفونها، ففسروا المفردات بغير معناها الصحيح وتابعهم عليه جماعة من المجتهدين وإنني لست ألومهم على جهدهم في إخراج الشعر للناس، بل أمدحهم وأحثّهم عليه ولكني أقول لهم لا تستعجلوا بالشرح ولو تركتموه غير مشروحٍ لكان خيراً للديوان ولهم.

الخلاصة

أشكر كل من يسعى بمفرده لعمل معجم أو تحقيق ديوان أو إخراج كتاب عن لهجتنا، وأدعوهم للاستمرار، ولكن لهجتنا يا أعزائي لا تحتاج إلى جهد أفراد فقط، لأنها تموت سريعاً بل تحتاج حاجة ماسة إلى مؤسساتٍ ممولة من دولتنا المعطاء يشرف عليها متخصصون من أهل هذه البلاد الطيبة ولا مانع من مساعدة لغويين من مجلس التعاون أو من الأردن مثلاً لتشابه اللهجات البدوية، ولن تكلف الدولة شيئاً كثيراً، بل تكلفتها ستكون أقل من ثمن لاعبٍ واحد أجنبي، وسوف تُبقي على هويتنا وتحفظ لهجتنا للأجيال المقبلة.

حيث:

- ضاعت معظم المفردات.

-تغير نطق المفردة فصارت لا عامية ولا فصيحة ومع تعود الأذن عليها لا تنكر.

- الفهم الخاطئ لهذه المفردات الفصيحة، حيث تفسر في الشعر والكلام بمعنى مختلف تماماً عن اللهجة وعن معنى الشاعر الذي عناه في شعره، ولو ضربت لكم أمثالاً على هذا الأمر لطال الأمر جداً عليكم .