تقول إحدى السيدات إنها كانت دائماً تبحث منذ الصغر عن الصداقة الحقيقية، تلك التي تشعر معها بأنهما جسدان بروح واحدة، صداقة تشاركها همومها وأفراحها وأجمل إنجازاتها دون تردد، ولا تخشى معها الإفصاح عن أبسط تفاصيل حياتها، إيماناً منها بأن الصدق يقرب الأرواح أكثر مما نتصور.
صداقة تشعر فيها بالنقاء وصدق المشاعر بعيداً عن التلون، ورغم المسافات وتقلب الأحوال تبقى حاضرة بنواياها الصادقة ومشاعرها الثابتة، لتكون باختصار أختاً لم تلدها أمها.
الصداقة احتياج إنساني قبل أن تكون علاقة، فالإنسان بطبيعته يبحث عمن يسمعه بصدق، دون حكم أو نقد، فالصديق الحقيقي يعد مساحة أمان في أصعب الظروف وأشدها، يخفف ثقل الحياة ومرارة بعض المواقف الصعبة، فيكون لك العضيد والسند حين تضيق بك السبل.
تجده يمسك بيدك، ويشعر بألمك دون أن تنطق أو تشرح، يبقى إلى جوارك حتى في أكثر اللحظات قسوة.
ولكن متى يتغير الأصدقاء؟
لا يتغير الأصدقاء فجأة كما نعتقد، بل تغيرهم التفاصيل الصغيرة التي تتراكم بصمت، واختلاف الأولويات، وتبدل القيم.
وقد يغيرهم سوء الفهم حين يترك بلا حوار أو توضيح، أو ربما التوقعات العالية التي لا تقال فتتحول إلى عتاب صامت.
وفي كثير من الأحيان لا يكون التغير قسوة، بل إعادة ترتيب للحياة؛ فبعض الصداقات خلقت لمرحلة معينة، أدت دورها بصدق، ثم غادرت بهدوء، تاركة أثراً جميلاً لا ينسى ولن ينسى.
في الواقع ليست الصداقة في عدد السنوات ولا في كثافة اللقاءات، بل في ذلك الشعور العميق بالطمأنينة حين نكون على سجيتنا دون أقنعة، فالصديق الحقيقي هو من يمنحنا الأمان لنكوّن أنفسنا، ومن يظل حاضراً في القلب حتى وإن غاب عن المشهد.
وفي زمن تتبدل فيه الوجوه سريعاً تبقى الصداقة الصادقة نعمة نادرة، وحضوراً لا يغيب، وأختاً تختارها الأرواح قبل أن تجمعها محطات الحياة.