بينما هما في جلستهما المعتادة في المقهى، ضحى كل يوم، قال له صديقه الأصغر منه سناً - اقترب من السبعين عاماً والآخر المستمع تعدى الثمانين: لا تعتمد على الأبناء كثيراً وإن كانوا كباراً، صدورهم تضيق بالنصائح، فضلاً عن الطلبات، هم مختلفون.. ليسوا مثلنا.
لم يعجبه قول صديقه من الزمن الجميل، شعر بأنه تجاوز فيه الصراحة المعتادة مع رجل أكبر منه سناً، فعقد حاجبيه، دلالة التبرّم والانزعاج، ورد عليه: لا تنسَ أنك تتحدث عن رجال أنا أبوهم، عليهم واجب احترامي، والإنصات لي حين أتكلم معهم، أنا لم أصل بعد إلى (استجداء) الرعاية.
تدارك الصديق ما أثاره حديثه في نفس صاحبه، فابتسم له قائلاً: قصدي أن الاعتماد على الآخرين - وإن كانوا أبناءك - ينسيك قوتك الذاتية.. صلابتك. أنت، ما شاء الله، ما زلت تقود سيارتك بنفسك، تدير أمورك من دون مساعدة أحد.
هذه المقدمة ليست مدخلاً لقصة، بل حديثاً يتكرر يومياً بين المتقاعدين، ممن ارتأوا الجلوس في المقاهي - في المولات الحديثة - حلاً لقضاء ساعات معدودة خارج المنزل، يسرون أنفسهم فيها، بفضفضة مسموعة أحياناً، لا يهتمون فيها لرقيب أو حسيب. فما بقي في العمر ما يستدعي مداراة أحد أو مداهنته.
على الرغم من بساطة هذه المتعة كمتنفس يومي - يَرتاحون فيها ويُريحون - لا تنفك بعض وسائل التواصل الاجتماعي ملاحقتهم بالتعليقات - غير المنصفة - للحيلولة بينهم وبين هذه الممارسة الطبيعية، تنفيرهم من المكان أو جعله في عيونهم مثلبة، عليهم الابتعاد عنها، بينما أن يلتقوا مع أصدقاء الأمس أمر أصبح بمثابة دواء - كما تثبته الدراسات - لأكثر من داء يتغذى على العزلة والانطواء ثم التوحد، لينتج عنه لدى كبار السن فقدان الشهية للطعام، ضعف للمناعة، تصلب المفاصل وصعوبة الحركة.
من باب الموضوعية، وانتظاراً لإجابة عن سؤال لأحبابنا المتقاعدين: لو النسخة الحالية لشخصيتك، قابلتك منذ 10 - 15 سنة مضت، هل ستعجب بها أم ستصاب بالإحباط؟