عندما نسمع كلمة «تقاعد» يتبادر إلى أذهاننا كرسي هادئ وضع في زاوية بعيدة، وساعات طويلة من الفراغ، وكأن الزمن قرر فجأة أن يتوقف، وأن يخفّض إيقاع الإنسان ويختصر دوره، لكن في الواقع، لا تدار الحياة بهذه البساطة؛ فكلما كبر الإنسان اتسعت رؤيته، وهدأت قراراته، ونضج حكمه. لذا، فالتقاعد لا يعد نهاية الطريق ولحظة يتوقف فيها الإنسان عن الركض ليبدأ الفهم.
وهنا يولد ما يمكن أن نسميه «اقتصاد الخبرة»، الرصيد الصامت الذي يقيس الأثر، ويحتفي بالحكمة، ويصنع الفارق، بوصفه مفهوماً إنسانياً قبل أن يكون اقتصادياً.
واليوم نعيش في عالم يتقدم في العمر بهدوء، حيث تشير الإحصاءات إلى أن العالم سيضم، خلال ربع قرن فقط، أكثر من ملياري إنسان تجاوزوا الـ65 عاماً، وهو رقم يبدو بارداً على الورق، ولكنه في الواقع يعني أن شريحة واسعة من البشرية ستقف عند مفترق واحد: إما أن تُقصى باسم التقاعد، أو يعاد دمجها باعتبارها خزاناً للخبرة.
وفي بعض المجتمعات يعاد تعريف التقاعد بوصفه تحولاً في الوظيفة، حيث يصبح المتقاعد مرشداً، وناقل خبرة، وحارساً للذاكرة.
في الإمارات، تُبذل الجهود لإعادة صياغة هذه المرحلة من العمر، ليبقى المتقاعد جزءاً من النسيج، ويكون حاضراً في الأسرة، والمجتمع، والتعليم، والتطوع، ونقل الخبرة، ما يجعل الشيخوخة تتحول إلى مرحلة إنتاج، ويسهم في حماية المجتمع من فقدان ذاكرته، فالأمم التي تقطع صلتها بخبرتها تعيد ارتكاب أخطائها.
وحين يُترك الإنسان دون دور، يتجه نحو العزلة التي تتجاوز حدود المرض، وليس مصادفة أن أمراض الشيخوخة تعد الأكثر كلفة في العالم، حيث تستهلك سنوياً ما يقارب 600 مليار دولار، ليس لأن التقدم في السن مكلف بطبيعته، بل لأننا غالباً ما نسيء إدارة هذه المرحلة ونفصلها عن الحياة العامة.
مسار:
العقل بعد الستين لا يفقد قدرته على التعلم وإنما تزيد قدرته على الربط والتحليل ورؤية الصورة كاملة