«العربية».. لغة حضارة كاملة

نقف على بُعد يومين فقط من الاحتفاء بـ «اليوم العالمي للغة العربية»، هذه اللغة التي حين نُطقت اتسعت للفكرة والروح معاً، وحين كُتبت حفظت الذاكرة وشيدت الحضارة.

فهي ليست حروفاً تُرتب، ولا كلمات تتداول، وإنما كيان حي تنفس مع الإنسان العربي، ونما مع تجربته، وحمل صوته إلى العالم.

وهي لغة القرآن الكريم التي اصطفاها رب العزة والجلالة لتكون حاملة لرسالة الإسلام الخالدة، ما منح العربية مكانة فريدة، فغدت لغة الإيمان والفكر، والتأمل والعلم، وقادرة على التعبير عن أدق المعاني الروحية.

لم تكن العربية عبر قرون طويلة لغة قوم بعينهم، وإنما لغة حضارة كاملة.

بها دونت العلوم، وازدهرت الفلسفة، وتألقت الفنون، والتقت الثقافات.

كانت جسراً حضارياً عبرت عليه المعارف بين الشرق والغرب، وأسهمت في تشكيل الوعي الإنساني، فوسعت أفق العقل، وعلمت العالم كيف يقرأ المعنى قبل أن يقرأ الكلمة، وهو ما يجعل منها مرآة للهوية وذاكرة للمكان.

ففي مفرداتها تسكن الحكايات، وفي تراكيبها تنبض القيم، ونستعيد من خلالها جذورنا.

وفي دولتنا لم تكن العربية يوماً مجرد موروث ثقافي، وإنما مسؤولية وطنية ورؤية للمستقبل.

فقد آمنت قيادتنا الرشيدة بأن حفظ اللغة العربية يمثل حماية للهوية، وتعزيزاً للانتماء، واستثماراً في الإنسان، وتجسد ذلك في العديد من المبادرات التعليمية والثقافية وإطلاق الجوائز وتأسيس المراكز الداعمة للغة العربية، التي أسهمت في دعم المحتوى العربي، وتشجيع القراءة، وتمكين المبدعين، وتوظيف التقنيات الحديثة لضمان حضور العربية في الفضاء الرقمي، وترسيخ مكانتها لغة عالمية قادرة على مواكبة التحولات.

إن الاحتفاء باليوم العالمي للغة العربية ليس مناسبة عابرة، بل وقفة تأمل ومسؤولية مشتركة، ودعوة لإعادة اكتشاف لغتنا بوصفها لغة الحاضر والمستقبل، لغة قادرة على الحوار، واحتضان الاختلاف، وصناعة المعنى في عالم سريع التغير.

مسار:

حين نصون لغتنا العربية، نصون ذاكرتنا وهويتنا، ونمنح العالم لغة ما زالت قادرة على أن تقول الكثير.