شهدت السنوات الأخيرة تغيرات متسارعة فرضت على الأسرة تحديات غير مسبوقة؛ من التشتت الرقمي إلى ضغوط العمل وتقلص الوقت العائلي بين أفرادها، حتى باتت البيوت تعيش حالة من الإرهاق الصامت الذي لا يُرى بوضوح.
ولهذا جاء عام الأسرة 2026 تذكيراً وطنياً عميقاً بأن قوة المجتمع تبدأ أولاً من قوة الأسرة، وهو بلا شك فرصة ذهبية لإعادة الاعتبار للعلاقة الإنسانية داخل المنزل، بعد أن طغت الوتيرة المتسارعة للحياة والرغبة المستمرة في الإنجاز على الحوار الأسري والطمأنينة بين أفراد الأسرة.
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا يصل بعض الأبناء إلى مرحلة التمرد المفرط والتمسك برأيهم حتى لو كان خاطئاً؟
الجواب لا يكمن في عناد الأبناء فقط، بل في طبيعة التربية الحديثة نفسها، فالتربية لم تعد تعتمد على النصائح التقليدية أو الأوامر المباشرة، بل أصبحت مهارة مركبة تتطلب فهماً عميقاً لنفسية الطفل في عصر سريع التغير. والوالدان اليوم بحاجة إلى اكتساب مهارات جديدة، مثل الذكاء العاطفي، وإدارة الخلافات بلطف، وإيجاد توازن رقمي يحمي الأبناء من الانغماس الزائد في العالم الافتراضي.
لم يعد ممكناً الاعتماد على أساليب الأمس ومعلومات الماضي؛ فالتربية الحديثة تحتاج إلى مواكبة مستمرة، وإلى والدين يملكان المرونة لتطوير أدواتهما حتى يبقيا قريبين من عالم أبنائهما، وعلى المسار نفسه من الفهم والوعي.
فالأبناء لم يعودوا كما كانوا قبل عقد من الزمان؛ هم أسرع تطوراً، وأكثر وعياً، وأشد حساسية تجاه النقد والمقارنات، ما يتطلب أسلوباً جديداً يستند إلى الإصغاء والاحتواء قبل التوجيه. وفي ظل هذه التحولات تصبح مسؤولية الوالدين اليوم أكثر ارتباطاً بالحضور العاطفي، لا بالمتابعة اليومية فقط. حين يجد الأبناء مكاناً يحتويهم ويسمعهم، ووقتاً يحتضن مشاعرهم بلا استعجال، يصبح البيت أكثر قوة وسلاماً.
فالبيوت تُرمَّم بالدفء لا بالقرارات، وبالحوار لا بالصراخ والعقاب، وحين تبدأ علاقة الإنسان ببيته في التعافي، يتعافى المجتمع كله.