إغلاق الأذنين صوماً عن السمع

الإنسان العصري في صورته الحالية، يصعب عليه بتقديري، عدم متابعة الإعلام في وسائله كافة، لا القنوات الإذاعية والفضائية فقط، بل حتى النظر في هاتفه الجوال، بين الحين والآخر، لمعرفة جديد الأحداث وعواجل الأخبار في شتى المجالات.

من يقل إنه قادر على مقاطعتها، فقد خالف الواقع، وابتعد عن الحقيقة؛ فالمتابعة غدت لدى القلة عادة حميدة على أي حال، لكنها بالنسبة لكثيرين لا زالت تعد صداعاً، أكد تجنبه ضمان صحة نفسية وبدنية أطول، أو أقله، ضمان نوم هادئ خالٍ من الكوابيس، التي ما هي إلا الأخبار نفسها، تلك التي أمضى سحابة يومه بالتفاعل معها. فلا تسأل: من أين تأتي الاضطرابات النفسية؟

في عالم لا يهدأ، كيف للإنسان أن يفكر بما يحدث حوله، ومن أي الزوايا عليه النظر إلى ما يجري، وهو لا يرى، في كل تركيز أو التفاتة عابرة، سوى ما يوتّره ويجعله يتخبط، فيما هي يفضي بعضها إلى بعض.

كما لو كانت أواني مستطرقة، عبر سلسلة مترابطة للاقتصاد بالتجارة بالسياسة بالثقافة بالتقنية المتسارعة، إلى ما لا نهاية من مفردات أصبحت غراماً للفرد لا تنفك عنه؟

كمثال، خذ ما شهدته الأسابيع الماضية، فقد حفلت بتصعيدات عسكرية في الحرب الروسية الأوكرانية، وبالتوترات الاقتصادية والتجارية بين القوى الكبرى، وبقلق متزايد في الأزمات الإنسانية في غزة، وبتطورات متسارعة في مجالات الذكاء الاصطناعي والتقنية، التي تقتضي وجوب العمل على مدونة أخلاق تضبط مسؤولية الأداءات الذاتية للأجسام المتحركة. ترابط كل هذه الموضوعات هو الذي يشكل المشهد العالمي اليوم.

فهل يُنصح الفرد، بما أن الفرار من مجريات أحداث العالم، عصيُّ عليه، ولا يقدر من جهة أخرى، على مقاطعة وسائل الإعلام العصرية، التي تجدد اقتحامها له بألف سبب، بداعي التثقف والاطلاع ومواكبة العصر.. هل يُنصح بإغلاق الشيء الوحيد الذي يقدر على فعله؛ إغلاق أذنيه صوماً عن السمع، ليحيا أوقاتاً (قليلة) أجمل؟