الخمار الأسود..الشعر أول ما روّج له

للوهلة الأولى يبدو السؤال جريئاً، هل سبق العرب الغرب في صناعة الإعلان؟ كون البعض لن يصدق وجاهة السؤال وأحقية طرحه. أثبتت البحوث بأن أول إعلان عرفه العالم، ظهر في العصور الوسطى، في القرن 13م، شوهد ملصق على حائط قريب من كاتدرائية في لندن، صاحبه بائع كتب دينية يدعى (روجر)، ويبيع أيضاً الشموع والبخور.

من الدراسات ما تقول إن أول ظهور للإعلان في أوروبا، كان في القرن 17م، تزامناً مع انتشار الصحف اليومية في حواضر غربية عدة، ما شجع الشركات على اتباع الترويج لسلعها. ما يرجحه مؤرخو سيرة الإعلان أنهم لا يمتلكون للآن أرشيفاً معتمداً يحدد المكان الأول لولادة هذه الوسيلة ونشأتها قبل عام 1730، بداية القرن 18م.

برغم التضارب في التزمين اتُفق على اعتبار منتصف القرن 17م تاريخاً مقبولاً لظهور الإعلان في أوروبا الغربية.

لا دلالة أكثر تشويقاً لقصة سبق الإعلان عند العرب، وجدت في أكثر من مصنف بحثي، تساق هنا إجابة عن السؤال في الاستهلال، تقول القصة: جاء تاجر من العراق إلى المدينة المنورة، يبيع خُمُراً ملونة (جمع خِمار).

باع منها الألوان كلها، ماعدا الخُمُر السود بدت غير مرغوبة لدى النساء في تلك المرحلة الأموية (عام 90 للهجرة)، فخشي التاجر ما يخشاه التجار من كساد، فالتمس نصيحة من أحد العارفين باللجوء لشاعر عُرف برقة القلب والكرم، يكنى بـ(مسكين الدارمي) -اسمه ربيعة التميمي- وكان قد ترك قرض الشعر.

تزهّد، لكن التاجر ألح عليه بالرجاء، ليجد له سبيلاً ينجيه من الخسارة. بعد تردد نفحه أبياتاً شعرية أعانته على تصريف بضاعته، تقول (قل للمليحة في الخِمارِ الأسودِ - ماذا فعلت بزاهدٍ متعبّدِ/ قد كان شمّر للصلاةِ إزارهُ - حتى قعدتِ له بباب المسجدِ/ ردّي عليه صلاته وصيامه - لا تقتليهِ بحق دين محمّدِ). فانتشرت الأبيات بين الفتيات المدينيات كالنار في الهشيم، فأقبلن على شراء الخُمُر السود حتى النفاد.