نعيش في زمن الفضاء الرقمي المفتوح، حيث لم تعد فيه العلاقات الأسرية محصورة بين جدران البيوت، أو في مجالس العائلة الممتدة، بل تأثرت بالتقنيات الجديدة التي نجحت في التسلل إلى تفاصيل حياتنا اليومية، فالأبناء اليوم يتواصلون عبر الهواتف الذكية.
ولا يتوقف الآباء عن مطالعة الشاشات، فيما يظل اللقاء المباشر، بروحه الدافئة، أقل حضوراً مما كان عليه في السابق، فكيف يمكن للأسرة أن تحافظ على تماسكها في عالم لم يعد يعترف بالحدود الزمنية أو المكانية؟
التماسك الأسري في الفضاء الرقمي لم يعد ترفاً اجتماعياً، وإنما ضرورة لحماية الأجيال القادمة من الاغتراب عن قيمها المجتمعية، ففي أعرافنا تشكل الأسرة الحصن الأول في مواجهة العزلة الرقمية، وهي المدرسة التي تعلم أبناءها أن للحوار قيمة تفوق سرعة الرسائل الفورية، وأن للجلوس حول مائدة الطعام معنى أعمق من متابعة بث مباشر لا ينتهي.
وهنا يبرز دور الهيئات والمؤسسات المجتمعية، التي تحرص على ضمان استقرار الأسرة وتواصلها بشكل دائم، ولعل مبادرة «تقهوى» التي أطلقتها دائرة تنمية المجتمع في أبوظبي، بالتعاون مع مؤسسة التنمية الأسرية والقطاع الخاص، تمثل نموذجاً ملهماً يؤكد أن التكنولوجيا ليست دائماً عاملاً للتباعد، وإنما يمكن أن تكون جسراً للتقارب إذا أُحسن توظيفها.
ولذلك فالمنصة ليست مجرد أداة لتقديم الاستشارات الأسرية، بل فضاء يبعث في نفوس الأزواج شعوراً بالخصوصية، ويدعوهم إلى الجلوس ـ ولو افتراضياً ـ في مقهى تقليدي إماراتي، حيث القهوة رمز للدفء والحديث الصريح، وحيث تناقَش التحديات بروح المشاركة والتفاهم.
تذكرنا مبادرة «تقهوى» بأن التماسك الأسري في العصر الرقمي يتطلب مرونة وابتكاراً، وأن الأسرة تبقى المنارة التي تهدي أبناءها نحو حياة أكثر توازناً، ودفئاً، ومعنى.
مسار:
قوة العائلة لا تقاس بعدد الأجهزة المتصلة بالإنترنت، بل بقدرتها على إيجاد لحظات دافئة، تُبنى فيها جسور الثقة.