في مقالنا السابق، تناولنا أمثلة على الحنين للماضي، من الروايات والأفلام السينمائية، والتي فيها جانب أو أكثر من دوافع الحنين وأسبابه، وتركنا سؤالاً: هل هنالك دوافع أخرى للحنين إلى الماضي لم نذكرها؟ اليوم، نبحث عن دوافع جديدة.
إذا ما فسرنا مقولة نسبت إلى الممثل «روبرت دي نيرو»، فحواها: لا تعد إلى المكان الذي كنت فيه سعيداً يوماً ما، فذلك فخ من فخاخ الحنين. لعرفنا المقصود، بأن فخ الحنين للماضي، يوجد صورة مثالية غير واقعية، يصعب مواجهتها لما ستكون عليه من اختلاف حاد عما تصوره الإنسان العائد. استدعاء الماضي لدى البعض، عد علامة على صعوبة التكيف مع الواقع الراهن.
حيث يشعر الإنسان أنه فقد قدرته، على التأثير في ما يحدث حوله، فينتهج سبيل العودة إلى الماضي، تعويضاً عن فقدانه للدور أو المكانة في حاضر محتدم. بعض آخر يرى في الحنين بحثاً عن الذات، وحضورها الاجتماعي وزمنه الذي كان. بيد أن الغوص في هذه الجزئية قد ينتهي بتراجيديا.
دراسات اجتماعية عدة، ذهبت إلى أن الحنين، في بعض جوانبه، هو البحث عن زمن كان يمنح الشعور بالأمان أو الاستقرار، وعملية نفسية كهذه، تتم عبر مقارنة لا إرادية، بحاضر، كل ما فيه يبدو خارجاً عن السيطرة.
هل تمثل «النوستالجيا الرقمية» شيئاً في سياق الحنين مدار الموضوع؟ ربما. لكن هذا الجانب ينطوي، علمياً، على نسبة من الوهم، قد يغفل عنها «الحنينيون»، على الرغم مما تجسده الصور القديمة، و«الكبشنات» الطريفة، في الأرشيفات الشخصية على الشبكة العنكبوتية، من احتفاء، يشبه فعل الأطلال بالشعراء.
إن متلازمة الحاضر والماضي، وارتكاز الإنسان على ذكرياته، إقرار ضمني، بأن الحاضر لا يحقق له الرضا المعيشي أو المشاركة. الماضي، قد يمثل ملاذاً، خروجاً من الحاضر، لكنه خروج خادع نفسياً، برغم إشعاره للفرد بأنه لا يزال يمتلك ناصية المبادرة، أو الذكريات التي تمنحه الهوية والإيجابية. وهذا ليس حلاً.