حين يغفو الحوار وتصحو الأجهزة

في زمن الشاشات الرقمية، نلمس هدوءاً ظاهرياً تختبئ خلفه أسئلة كثيرة: من يشكّل وعي الأطفال؟ ومن يغرس القيم في داخلهم؟ وهل بدأ الدور التربوي للأسرة يتراجع لصالح محتوى غير مراقب، لا يحمل هوية، ولا يعكس قيماً مجتمعية واضحة؟

وهل أصبحت هذه الشاشات هي «المربي الجديد»، تصوغ شخصيات الأطفال، وتوجّه مساراتهم نحو محطات غير محبّذة؟ وهل تحوّل الاستخدام المتزايد – بل الإدمان – للهواتف الذكية إلى قضية اجتماعية فعلية، لما له من انعكاسات سلبية على النمو العقلي، والفكري، والسلوكي لدى الأبناء؟

في الواقع، يُسهم سلوك الوالدين بالدرجة الأولى في تشكيل عادات الأطفال، بما في ذلك العادات الرقمية المرتبطة باستخدام المواقع الإلكترونية أو الأجهزة الذكية. فعندما يقضي الوالدان وقتاً طويلاً أمام الشاشات، يبدأ الطفل تلقائياً بالميل إلى هذا السلوك، باعتباره أمراً طبيعياً ومقبولاً. ومن ثمّ، يقلّد الأبناء سلوكيات والديهم بدقّة، مما يؤدي إلى فتور في العلاقة الأسرية، سواء في الوقت الحاضر أو على المدى البعيد.

فعندما ينشغل الوالدان باستمرار في هذا العالم الرقمي، يشعر الطفل بشكل بديهي بالإهمال وقلّة الأهمية، فيبدأ بالبحث عن بدائل تُشبع ذلك الفراغ العاطفي، ولو لدى الغرباء. وهنا، تزداد احتمالية تعرضه لتحديات خطيرة، من أبرزها التنمّر أو الابتزاز الإلكتروني.

ووفقاً لإحدى الدراسات، تبيّن أن اليافعين يكونون أكثر تعلقاً بالأجهزة والمنصات الرقمية عندما يكون الوالدان أساساً من المستخدمين المفرطين للشبكة العنكبوتية. لذا، من الضروري أن يكون الوالدان قدوة حسنة لأبنائهم في الاستخدام المتوازن والمسؤول للتكنولوجيا.

في زمن تربي فيه الشاشات أطفالنا بصمت، يبقى السؤال الأكبر: من يمنحهم القيم والمعنى؟ لا بأس أن نترك لأطفالنا مساحة رقمية مناسبة، لكن الأهم ألا نتركهم وحدهم في هذا العالم، فالأبوة ليست مجرد توفير واهتمام، بل هي حضور ومرافقة وتوجيه، وإشعار دائم بالأهمية. ولن تكون علاقتنا بأبنائنا ناجحة، إلا حين نُمسك بأيديهم في الواقع، قبل أن تأخذهم أضواء الشاشات بعيداً.