في الافتراضي.. نجاحات مزيفة خبريات كاذبة

شخص يتصفح هاتفه ليلاً، ليحيط نفسه بصور إنجازات الآخرين، ثم يتساءل عن موقعه بين كل هذه النجاحات وأصحابها الافتراضيين. أي نوم منتظر بعد وجبة الخيبة التي استدعاها لقلبه؟

هؤلاء الذين ينقشون لأنفسهم أوسمة افتراضية على جدار لا يراه أحد، لا يدركون حجم الجرم الذي يرتكبونه في حق بني البشر؟ كم هو كبير.

لماذا يدفعون الناس على وسائل التواصل إلى سباق بلا خط وصول؟ لنسأل: هل الإنجاز الحقيقي يقاس بنظرات الناس أم باطمئنان القلب؟ ليت هؤلاء الافتراضيين يفهمون ما الذي يصنعونه، ويتوقفون عنه، ليقدروا حياة البشر - وحياتهم - حقّ قدرها؟

إن ازدواجية شعور الإلهام والإحباط الذي تخلفه مواقع التواصل في نفوس المدمنين على تصفحها، تحمل لهم سمّيّة عالية تعكر الكيمياء لديهم، فينقلب المزاج رأساً على عقب، ليبدؤوا نهارهم بخليط من الإحباط والتشاؤم. وحياة كهذه لن تكون سوية.

وفي زحام الأخبار المتلاطمة، دائماً ما تضيع الحقائق، فتسمع للهمس صوت الرعد، وسائل التواصل وما تحمله من شائعات لها بالغ الأثر في طمأنينة الناس في علاقاتهم بين بعضهم بعضاً.

يصعب تخيل حياة الفرد القائمة كل يوم على شائعة جديدة، تبدأ كريح خفيفة تقتلع الأشجار الصغيرة، ولا تلبث أن تصل إلى الكبيرة لتتركها أعجاز نخلة خاوية.

لم تعد الشائعات على شبكات التواصل أسهماً طائشة - كما كانت - لا تعرف هدفها لترديه، بل أصبحت اليوم من الدقة في التوجيه كما لو تستخدم تقنية رادارية غاية في الدهاء والفبركة، لتصيب هدفها وأخرى في نطاق المحيط.

الزمن الرقمي وما أدراك، أصبح الإنسان فيه أسير مرآتين متقابلتين: مرآة الإنجازات الفارهة التي يلمع بها الآخرون أمام ناظريه كل مساء حتى منتصف الليل، ومرآة الحقائق الزائفة التي تتكاثر كعوالق البحر في الفضاء الافتراضي، ليعيش قلبه بين صراعين: عقدة النقص أمام نجاحات افتراضية، وريبة غامضة أمام أخبار/ شائعات كاذبة تبعثر ثقته، فإلى أين المفر؟ لا وزر.