في زاوية الملعب، وقفت فتاة صغيرة تُطارد والدها بعدسة هاتفها، توثق لحظات فوزه بكل حب وسعادة، وكأنها تلتقط مجداً خاصاً بها، لم يكن والدها نجماً معروفاً، بل كان بطلاً بصمت، من ذوي التحديات السمعية. تقدم منها المذيع بدهشة وسأل: من هذا الرجل الذي تلتقطين له كل هذه الصور؟
ابتسمت وقالت بفخر يملأ صوتها: «إنه والدي... نشعر جميعاً بالفخر لمشاركته وفوزه اليوم». ثم أضافت: «نحن ثلاث شقيقات، وأنا الكبرى، علّمني والدي لغة الإشارة منذ أن كنت صغيرة، فصرتُ أترجم له العالم، ثم علّمت أختيّ الصغيرتين، لنكبر جميعاً على لغة مختلفة... لغة المحبة والفهم بلا كلام».
يدل فخر هذه الفتاة بوالدها وتصرفها الإيجابي تجاهه على مجموعة من القيم العميقة والدلالات الإنسانية النقية والراقية، أولاها الامتنان والوفاء الأسري، فهي لم ترَ في والدها نقصاً يشعرها بالخجل، بل رأت فيه معلماً وبطلاً عظيماً، أعادت له الجميل بطريقتها الخاصة، فهذا التعامل بحد ذاته هو أكبر دليل على وجود بيئة تربوية محبة تمكنت من غرس الاحترام والبر والاعتراف بالفضل.
كما أنه يدل على الوعي والنضج المبكر، فطفلة بهذا العمر تُعبّر بفخر علني عن والدها من ذوي التحديات السمعية، دون أي خجل أو تردد يدل على وعيٍ يفوق سنّها. بالإضافة إلى الثقة بالنفس والانتماء، فحين تعتز بأسرتها ووالدها أمام الآخرين فهي تظهر قوة شخصية وثقة بهويتها وانتمائها العائلي.
اليوم في زمنٍ تُقاس فيه البطولة بالأضواء والألقاب، تظهر فتاة صغيرة لتُعيد تعريف المجد في عيوننا... ليس المجد في أن نكون كاملين في نظر الناس، بل في أن نكون عظماء في قلوب من نحب. فخر واعتزاز الفتاة الصغيرة بوالدها لم يكن مجرد لحظة أمام عدسة، بل كان انعكاساً لتربية استثنائية، وامتداداً لقصة كفاح، ورسالة تقول: الإعاقة ليست نهاية، بل هي بداية لرحلة مختلفة، تُكتب بلغة الصمت وتُقرأ بصوت الحب.