التربية في زمن السرعة

جيل اليوم وُلد في قلب الثورة الرقمية، واعتاد على كل ما هو فوري وسريع. لم يعد بإمكان البعض تحمّل المحتوى الطويل، فقد أصبح معتاداً على المقاطع القصيرة، والتمرير السريع. ومع مرور الوقت، بدأ صبره يتناقص.

وتركيزه يتشتت، وانجذابه لكل ما هو سريع وسهل، يزداد يوماً بعد يوم. لكن، في زحام هذا التدفق السريع، هل فقد الجيل الجديد قدرته على التمهّل، أم أن السرعة أصبحت أسلوب حياة لا مفر منه؟

جلستُ ذات مرة مع أحد الأطفال، ولاحظت أنه يتنقّل بسرعة بين مشاهد مسلسل كرتوني على «نتفلكس»، غير قادر على الانتظار حتى يكتمل المشهد. لم يكن الأمر مجرّد تصرّف عفوي، بل كان مؤشراً واضحاً على ضعف قدرته على التريّث.

في تلك اللحظة، أدركت كيف تسلّلت ثقافة السرعة إلى عالم الطفولة، حتى في أبسط لحظات الترفيه، وأصبح كل ما هو سريع ومختصر، أكثر جذباً من المشاهد المتدرجة، والبناء القصصي الطبيعي.

أشارت إحدى الدراسات إلى أن الأطفال الذين يشاهدون محتوى سريع التغيّر، يكونون أكثر عرضة لضعف الانتباه في المدرسة لاحقاً. وذلك يثبت أن المحتوى السريع لا يؤثر فقط في السلوك الظاهري، بل يُعيد تشكيل الطريقة التي يعمل بها دماغ الطفل، وبالتالي، يُضعف قدرته على الصبر والتركيز في الأنشطة التي تستغرق فترات طويلة.

إذن، لحماية الأطفال من التأثيرات السلبية لعالم السرعة الرقمية، لسنا بحاجة إلى المنع التام، بل إلى موازنة تربوية ذكية، تقوم على التوجيه الواعي، وتقديم البدائل المناسبة.

ويشمل ذلك في وضع حدود زمنية معتدلة لاستخدام الشاشات تحت إشراف الأهل، والتحكّم في نوع المحتوى، إلى جانب تعزيز الأنشطة الواقعية البديلة، وتخصيص أوقات خالية من الشاشات. كما أن القدوة الأبوية تلعب دوراً محورياً، فلا يمكن توجيه الطفل لتقليل استخدام الشاشات، بينما يرى والديه منشغلين بها باستمرار.

تذكّر دائماً، في زمن السرعة، حين نُربّي بثبات وتوازن، نصنع جيلاً أكثر وعياً واستقراراً.