بكاء القراءة

ت + ت - الحجم الطبيعي

حينما أقرأ كتاباً بديعاً، قصة أو رواية أو كتاباً فكرياً، أتأثر به، ويأخذ مني التفكير فيه فترة طويلة، إلى أن يقع في يدي كتاب آخر، أفضل منه فكرة وجودة. وقتها فقط تخفّ لدي الشحنة الدرامية التي خلّفها الكتاب السابق، فأدخل مسروراً في الكتاب الجديد، وهكذا. هذا ما قاله لي أحد أصدقائي، وقد عرفته يلتهم الكتب التهاماً ولا يقرؤها مثلنا. يتحدث عن جانب من نشوة القراءة والكتابة، التي أشبه بنشوة العيون بالوسن.

علمت بأن ثمة كثيرين مثله، ممن أدركتهم عادة القراءة وحرفة الكتابة. لكن ما أراه، إلى حد ما، ليس سليماً، هو أن بعض الأحداث يتأثر الشخص بها عند قراءتها، إلى حد يجد نفسه معها غارقاً فيها بعمق، لا ينجده سوى سخونة دمعة أو دمعتين، سقطتا على غفلة، من مقلتيه، عندها فقط، يعدّل جلسته، بعدما ينظر يمنة ويسرة متأكداً من خلو المكان، خشية أن يراه أحد.

يحدث هذا عند قراءة قصص الحب التاريخية، غير العادية، تلك التي لا تشبه قصص زماننا. وفي حالة البكاء، أتساءل: على ماذا يبكي القارئ، على النهاية المأساوية لقصة الحب، أم ما أبكاه حجم التضحية المتبادلة بينهما، على نحو فاق فيه احتمال الكثير من المحبين، وفي النهاية لم يحصلا على وصال شاف؟ أم أن بكاء القارئ في هذه الحالة كان على نفسه، كونه لم يصادف في حياته حباً صادقاً كالذي انتهى من قراءته دامعاً ؟ ما أقسى كتّاب القصص، لا يفكرون سوى بكتابة القصة، لا بقلوب القراء الواهية.

يحق طرح سؤال هنا: كيف يبكي الرجل متخلياً عن صلابته وجلده؟ فلطالما تربينا على أن دمعة الرجل عصيّة عزيزة. لا يجب أن يبكي مهما كان الموقف. وليضع جانباً ما يقوله علم النفس من أن البكاء حالة صحية لدى الشخص، يستدعي بها توازنه المفقود، لكن من قال إن المحمولات التراثية يمكن أن تؤثر فيها الاكتشافات العلمية؟

 

Email