الحضارات قيم وأحواض

ت + ت - الحجم الطبيعي

الغرب أعطى الكثير للحضارة البشرية في شتى المجالات، ولا سبيل اليوم إلى نكران ذلك، إلا إذا قابله نكران ما أعطته الحضارة العربية الإسلامية للبشرية في شتى الميادين، وكان لها الريادة في ذلك.

ولعل ما قاله المفكر الفرنسي «روجيه كايوا- 1978-1913» في نظرته الإيجابية للحضارة الغربية يتوافق اليوم مع النظرة العامة لدى كثير من شعوب العالم.

قال كايوا: «إن ما قدمه الغرب من إسهام لمجمل البشرية كان فريداً، وشمل ميادين كثيرة، ولا بد أن يكون المرء نكداً أو مدفوعاً بكراهية الذات، لكيلا يسلّم بذلك».

والحقيقة أن هنالك تسليماً وخصوصاً بالجانب التقني في الحضارة الغربية، لكن ما يمكن قوله بالمقابل، هو أنه لا يستقيم قصر الإسهام في الحضارة البشرية على الغرب فقط، ولا على غيره؛ فهنالك شعوب وأمم عديدة كان لها دورها البارز في الحضارة البشرية، منذ بدء الخليقة وحتى اليوم.

وهنالك تشارك في الحضارات، ولا يوجد فيها ما انفردت به أمة أو شعب دون آخر، وإلا ما كانت عُرفت الحضارات بالأحواض، ومنها «حضارة حوض البحر الأبيض المتوسط»، التي جمعت بين حضارات شمالي المتوسط وجنوبه، وعرض لها مفكرون غربيون، من بينهم العالم والفيلسوف الفرنسي «ليفي شتراوس - 2009/1908»، في مؤلفه الأهم بين كتبه «مدارات حزينة»، الذي طبع عام 1956.

يقول شتراوس: «إن من غير المقبول أن تجيز حضارة لنفسها، وإن كانت أكثر الحضارات إشراقاً، سحق الحضارات الأخرى على طريقها براحة ضمير. كيف يسعنا أن نبقي هكذا- تأمل مغتبط - ولدينا في قلب أوروبا الدلالة على البربرية، التي يعجز الخيال عن تصورها لأولئك الذين ينادون بإصرار شديد بتفوق الغرب والعرق الأبيض؟)، وإشارة شتراوس كانت موجهة إلى أوروبا تحديداً، حيث دعاها إلى اتباع أمريكا، التي فتحت الباب لهجرة الأدمغة إليها من بقاع العالم في ستينيات القرن الماضي بشعار «skill not skin» الكفاءة لا اللون.

 

Email