هُدنة

ت + ت - الحجم الطبيعي

ريثما تحفل مطارات العالم بالقادمين والمغادرين من المسافرين، لتفصلهم عن وجهتهم النهائية شغف العبور إلى الطبيعة الخلابة أو الشواطئ الذهبية المترامية على مد البصر، وفضول الاستكشاف والتعرف على الثقافات وتاريخها العتيد، نبتعد عن ضغوطات العمل والحياة، لنعيش تجارب لا تنسى، وتتسع ذاكرتنا بصور لا تحصى.

ويمضي المسافر في رحلته متنقلاً بين المنافع المتنوعة التي تمتاز بها الأسفار، كما ذكرها الإمام الشافعي في أبياته الشهيرة: وسافر ففي الأسفار خمس فوائد: تفرج هم، واكتساب معيشة، وعلم، وآداب، وصحبة ماجد. ليصبح السفر ضرورة وليس مجرد رفاهية، كونه الوقت المستقطع من روتين الحياة وصخبها، والمسؤوليات المتواترة على عاتقنا، والهدنة المنشودة لتصفية الذهن، والفضاء الفسيح لتجديد الطاقة والعودة بروح معنوية أقوى.

فالمدن الجديدة التي تصافح قلوبنا في كل مرة، والمقاعد العتيقة التي تخبرنا قصص الهضاب البعيدة، والجداول العذبة التي تحفر في قلوبنا أفلاج تأمل أخاذ، والقلاع التي ما زالت متشبثة بتلابيب التاريخ منذ أبد بعيد، كلها تتلاقى لتوجد فضاءً رحباً للبحث عن الجديد، واختبار الذات في علاقتها بالآخر، والهدف الأخير الذي يكمن في إعادة اكتشاف الذات، وتفجير مكنوناتها الإبداعية، فهو أفق للمخيلة ونزوعها نحو المغامرة، وجموحها المعرفي الخلاق في عالم يضيق ويتسع.

وبينما ترتوي أرواحنا من روعة الطبيعة والقرى الجميلة والأنهار العذبة، وبعدما نهلنا من عجائب الأمصار، وبدائع الأقطار، ومحاسن الآثار، حري بنا أن نترك الذكرى الطيبة، أخلاق عيال زايد، الأخلاق التي تمثلنا في كل موقف خلال رحلتنا، أن نمثل إمارتنا الغالية خير تمثيل، ألا تخلو رحلتنا من نهج قيمنا وأخلاقنا السامية، أن نترك صورة حسنة، ففي الوقت الذي نظفر به بفوائد السفر التي لا تحصى، لم لا يكون حسن الصنيع هو الجذور الباقية هناك، وإن عدنا إلى أوطاننا.

 

Email